الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
بيان علامات الزهد .

اعلم أنه قد يظن أن تارك المال زاهد وليس كذلك .

فإن ترك المال وإظهار الخشونة سهل على من أحب المدح بالزهد فكم من الرهابين من ردوا أنفسهم كل يوم إلى قدر يسير من الطعام ولازموا ديرا لا باب له وإنما مسرة أحدهم معرفة الناس حاله ونظرهم إليه ومدحهم له فذلك لا يدل على الزهد دلالة قاطعة بل لا بد من الزهد في المال والجاه جميعا حتى يكمل الزهد في جميع حظوظ النفس من الدنيا بل قد يدعي جماعة الزهد مع لبس الأصواف الفاخرة والثياب الرفيعة كما قال الخواص في وصف المدعين إذ قال : وقوم ادعوا الزهد ولبسوا الفاخر من اللباس يموهون بذلك على الناس ليهدى إليهم مثل لباسهم لئلا ينظر إليهم بالعين التي ينظر بها إلى الفقراء فيحتقروا فيعطوا كما تعطى المساكين ، ويحتجون لنفوسهم باتباع العلم وأنهم على السنة وأن الأشياء داخلة إليهم وهم خارجون منها وإنما يأخذون بعلة غيرهم .

هذا إذا طولبوا بالحقائق وألجئوا إلى المضايق وكل هؤلاء أكلة الدنيا بالدين لم يعنوا بتصفية أسرارهم ولا بتهذيب أخلاق نفوسهم فظهرت عليهم صفاتهم فغلبتهم فادعوها حالا لهم فهم مائلون إلى الدنيا متبعون الهوى .

فهذا كله كلام الخواص رحمه الله فإذا معرفة الزهد أمر مشكل بل حال الزهد على الزاهد مشكل .

وينبغي أن يعول في باطنه على ثلاث علامات العلامة الأولى أن لا يفرح بموجود ولا يحزن على مفقود كما قال تعالى : لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم بل ينبغي أن يكون بالضد من ذلك وهو أن يحزن بوجود المال ويفرح بفقده العلامة الثانية : أن يستوي عنده ذامه ومادحه فالأول علامة الزهد في المال والثاني علامة الزهد في الجاه العلامة الثالثة : أن يكون أنسه بالله تعالى والغالب على قلبه حلاوة الطاعة إذ لا يخلو القلب عن حلاوة المحبة إما محبة الدنيا وإما محبة الله وهما في القلب كالماء والهواء في القدح فالماء إذا دخل خرج الهواء ولا يجتمعان وكل من أنس بالله اشتغل به ولم يشتغل بغيره ولذلك قيل لبعضهم إلى ماذا أفضى بهم الزهد ؟ فقال إلى الأنس بالله فأما الأنس بالدنيا وبالله فلا يجتمعان .

وقد قال أهل المعرفة إذا تعلق الإيمان بظاهر القلب أحب الدنيا والآخرة جميعا وعمل لهما وإذا بطن الإيمان في سويداء القلب وباشره أبغض الدنيا فلم ينظر إليها ولم يعمل لها ولهذا ورد في دعاء آدم عليه السلام : اللهم إني أسألك إيمانا يباشر قلبي .

وقال أبو سليمان من شغل بنفسه شغل عن الناس ، وهذا مقام العاملين ومن شغل بربه شغل عن نفسه ، وهذا مقام العارفين .

والزاهد لا بد وأن يكون في أحد هذين المقامين ومقامه الأول أن يشغل نفسه بنفسه وعند ذلك يستوي عنده المدح والذم والوجود والعدم ولا يستدل بإمساكه قليلا من المال على فقد زهده أصلا .

قال ابن أبي الحواري قلت لأبي سليمان أكان داود الطائي زاهدا ؟ قال : نعم ، قلت : قد بلغني أنه ورث عن أبيه عشرين دينارا فأنفقها في عشرين سنة فكيف كان زاهدا وهو يمسك الدنانير ؟ فقال : أردت منه أن يبلغ حقيقة الزهد وأراد بالحقيقة الغاية فإن الزهد ليس له غاية لكثرة صفات النفس .

ولا يتم الزهد إلا بالزهد في جميعها فكل من ترك من الدنيا شيئا مع القدرة عليه خوفا على قلبه وعلى دينه فله مدخل في الزهد بقدر ما تركه وآخره أن يترك كل ما سوى الله حتى لا يتوسد حجرا كما فعله المسيح : عليه السلام : فنسأل الله تعالى أن يرزقنا من مباديه نصيبا وإن قل فإن أمثالنا لا يستجرئ على الطمع في غاياته وإن كان قطع الرجاء عن فضل الله غير مأذون فيه . وإذا لاحظنا عجائب نعم الله تعالى علينا علمنا أن الله تعالى لا يتعاظمه شيء فلا بعد في أن نعظم السؤال اعتمادا على الجود المجاوز لكل كمال .

فإذا علامة الزهد استواء الفقر والغنى والعز والذل والمدح والذم وذلك لغلبة الأنس بالله .

التالي السابق


(بيان علامات الزهد )

(اعلم) وفقك الله تعالى لولا الامتحان لكثر الصادقون ولا بد لكل مؤثر من أثر يدل عليه، فكذلك لا بد لكل مقام من علامة تدل على صحته، وإليه أشار المصنف بقوله (أنه قد يظن أن تارك المال زاهد وليس كذلك فإن ترك المال وإظهار الخشونة) في العيش (سهل على من أحب المدح بالزهد فكم في الرهابين) جمع رهبان جمع راهب (من ردوا أنفسهم كل يوم إلى قدر يسير من الطعام ولازموا ديرا لا باب له) ولا منفذ للهواء فيه (وإنما مسرة أحدهم) وفي نسخة مشرب أحدهم (معرفة الناس حاله ونظرهم إليه ومدحهم له) بترك الدنيا والزهد فيها .

(فذلك لا يدل على الزهد دلالة قاطعة بل لا بد من الزهد في المال والجاه جميعا حتى يكمل الزهد في جميع حظوظ النفس من الدنيا بل قد يدعي جماعة الزهد مع لبس الأصواف الفاخرة والثياب الرفيعة كما قال) أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد (الخواص) - رحمه الله تعالى - هو من أقران الجنيد والنوري مات بالري سنة 291 (في وصف المدعين) في الزهد (إذ قال: وقوم ادعوا الزهد ولبسوا الفاخر من اللباس يموهون بذلك على الناس ليهدى إليهم مثل لباسهم لئلا ينظر إليهم بالعين التي ينظر بها إلى الفقراء فيحتقروا فيعطوا كما يعطى المساكين، ويحتجون لنفوسهم باتباع العلم وأنهم على السنة وإن الأشياء داخلة عليهم وهم خارجون منها وإنما يأخذون بعلة غيرهم هذا إذا طولبوا بالحقائق وألجئوا إلى المضايق) قال (وكل هؤلاء أكلة الدنيا بالدين لم يعنوا بتصفية أسرارهم ولا بتهذيب أخلاق نفوسهم فظهرت عليهم صفاتهم فغلبتهم فادعوها حالا لهم ماثلون إلى الدنيا متبعون للهوى، فهذا كله كلام الخواص) أورده في كتاب شرف الفقراء ونقله صاحب القوت .

وتقدم أن الخواص كان لا يلبس أكثر من قطعتين مئزرين أو قميصا ومئزر تحته، وربما يعطف ذيل قميصه على رأسه أو يحله من وسطه فيغطي به رأسه، وقد كان يحيى بن معاذ الرازي يصف الزاهدين من العارفين والمتحققين بالحال المستحقين لاسم الزهد ومعناه في نتف من كلامه هي من أحوال أهل المعرفة زادوا بها على مقام الزاهدين من المؤمنين، وكان يقول في وصفهم: الزهد مع الغنى أفضل من الزهد مع الفقر يزهد الرجل وفي قصره أمثال التصاوير من النساء لو نظر الزاهد الفقير إلى وصيفة منهن غشي عليه، وقال: إذا زهد في الدنيا حجبه عن العامة، وإذا عرف حجب عن الزهاد، وقال: إذا حجب العارف لعزته اصطيد بالطعمة يدعى إلى طعام فيجيب فيظفرون به بذلك، وكذلك اصطيد أبوه آدم بالطعمة من الشجرة .

وكان يقول: لا يمكن العابد والزاهد أن يستتر عن الخلق، والعارف مستور كأنه رجل من الناس وهو أفضل من تحمله [ ص: 373 ] الأرض لا يعرفه إلا مثله ولا يصبر على معاشرته إلا شكله، هذا كله كلام يحيى بن معاذ وسيأتي باقي كلامه بعد .

(فإذا معرفة الزهد مشكل بل حال الزهد على الزاهد مشكل وينبغي أن يعول في باطنه على ثلاث علامات: الأولى أن لا يفرح بموجود ولا يحزن على مفقود كما قال تعالى: لكيلا تأسوا) أي: تحزنوا (على ما فاتكم ولا تفرحوا) على النعمة (بما آتاكم) فرح بطر (بل ينبغي أن يكون) الزاهد بإعراضه عن الدنيا وقلة رغبته فيها (بالضد من ذلك وهو أن يحزن بوجود المال ويفرح بفقده) لاكتفائه بما ينفعه وقد جعل بعضهم هذا المعنى حدا للزهد كما تقدم في أول السياق وهو في الحقيقة من ثمراته أو من علاماته .

(الثانية: أن يستوي عنده ذامه ومادحه) فلا يفرح إذا سمع بمدحه ولا يحزن إذا سمع بذمه، وكان يونس بن ميسرة يذهب إلى هذا ويقول ليس الزهادة في الدنيا تحريم الحلال ولا إضاعة المال ولكن أن يكون ذامك ومادحك سواء .

(فالأولى علامة الزهد في المال والثانية علامة الزهد في الجاه) لأن معنى الجاه ملك القلوب فإذا استوى عنده الذم والمدح لم يفتقر إلى ملك القلوب .

(الثالثة: أن يكون أنسه بالله تعالى) لا بشيء من الأشياء (والغالب على قلبه حلاوة الطاعة) فإن الأنس بالله والدنيا لا يجتمعان (إذ لا يخلو القلب عن حلاوة المحبة إما محبة الدنيا وإما محبة الله وهما في القلب كالماء والهواء في القدح فالماء إذا دخل خرج الهواء ولا يجتمعان) وقد كان عمر - رضي الله عنه - يقول: إذا ذكر الدنيا والآخرة إن هما إلا بمنزلة قدحين لك ملء أحدهما فما هو إلا أن يفرغ أحدهما في الآخر، يعني إنك إذا امتلأت بالدنيا تفرغت من الآخرة وإن امتلأت بالآخرة تفرغت من الدنيا وإن كان لك ثلث قدح الآخرة أدركت ثلثي قدح الدنيا وإن كان لك ثلثا قدح الآخرة يكون لك ثلثه من الدنيا، وقال صاحب القوت: وهذا تمثيل حسن وتعديل صحيح .

(وكل من أنس بالله تعالى اشتغل به ولم يشتغل بغيره ولذلك قيل لبعضهم إلى ماذا أفضى بهم الزهد؟ فقال إلى الأنس بالله) والمراد بالبعض أبو محمد سباع الموصلي ففي القوت: قال مضر بن عيسى قلت: لسباع الموصلي يا أبا محمد إلى أي شيء أفضى بهم الزهد؟ قال: إلى الأنس بالله أي: لزوال وحشة الدنيا وخروج ظلمة النفس بالهوى وقع الأنس بالنور ولا يجد الأنس بالحبيب والوجد بالقريب غير زاهد (فأما الأنس بالله وبالدنيا لا يجتمعان) وقال صاحب القوت: قوت الزهد الذي لا بد منه وبه تظهر صفة الزاهد ويفضل به على الراغب هو أن لا يفرح بعاجل موجود من حظ النفس ولا يحزن على مفقود من ذلك وأن يأخذ الحاجة من كل شيء ولا يتناول عند الحاجة إلا سدا للفاقة ولا يطلب الشيء قبل الحاجة .

وأول الزهد دخول غم الآخرة في القلب ثم وجود حلاوة المعاملة للرب ولا يدخل غم الآخرة في قلبه حتى يخرج هم الدنيا ولا يدخل حلاوة المعاملة حتى يخرج حلاوة الهوى وكل من ترك المعصية ولم يجد حلاوة الطاعة رجع إليها ومن ترك الدنيا ولم يجد حلاوة الزهد رجع فيها وكل من وجد حلاوة الطاعة ولم يجد حلاوة المعرفة لم يدم عليها وكل من وجد حلاوة الزهد ولم يذق حلاوة اليقين لم يؤمن عليه دخول التفتين ورغب في الدنيا ولو بعد حين .

(وقد قال أهل المعرفة) في تنويع الإيمان في القلب فجعلوه على مقامين وجعلوا لهما زهدين حيث قالوا: (إذا تعلق الإيمان بظاهر القلب أحب الدنيا والآخرة جميعا وعمل لهما) وكل منها يتجاذبان (وإذا بطن الإيمان في سويداء القلب) أي: باطنه (وباشره) أحب الآخرة وحدها وعمل لها و (أبغض الدنيا فلم ينظر إليها ولم يعمل لها) نقله صاحب القوت (ولهذا ورد في دعاء آدم - عليه السلام - اللهم إني أسألك إيمانا يباشر قلبي) أي: يخالطه (وقال أبو سليمان) الداراني - رحمه الله تعالى - (من شغل بنفسه شغل عن الناس، وهذا مقام العاملين ومن شغل بربه شغل عن نفسه، وهذا مقام العارفين) ولهذين المقامين دليل من السنة وهو ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل: أي الناس خير؟ فقال: من يشنأ الدنيا ويحب الآخرة، قيل: فإن لم يكن؟ قال: مؤمن في خلق حسن، والشاهد الآخر من الخبر الثاني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأل أصحابه أتدرون من خير الناس؟ قالوا: مؤمن موسر من المال يعطي حق الله في نفسه وماله، فقال: نعم الرجل هذا وليس به، خير الناس فقير يعطي جهده، وقد تقدم هذا (والزاهد لا بد وأن [ ص: 374 ] يكون في أحد هذين المقامين ومقامه الأول أن يشغل نفسه بنفسه وعند ذلك يستوي عنده المدح والذم والوجود والعدم) وهذا مقام المشاهدة للآخرة ويكون بعد الزهد الذي يكون عن حقيقة الإيمان ثم تستوي الأشياء عنده ويستوي عدمها ووجودها وعنده يكون استواء المدح والذم لاستواء قلبه في المشاهدة، وقد روي من حديث الحسن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل: هل استويت؟ قال: وكيف أستوي؟ قال: يستوي عندك المدح والذم، فهذا يكون لسقوط قدر النفس وذهاب رؤية الخلق فعندها يسقط الرياء والرغبة فيثبت الإخلاص والزهادة .

(ولا يستدل بإمساكه قليلا من المال على فقد زهده أصلا) وقد روي عن السفيانين أنهما سئلا: أيكون الرجل زاهدا وله مال؟ قالا: نعم، إذا كان ممن ابتلي فصبر وإذا أنعم عليه شكر، قال ابن أبي الحواري فقلت لابن عيينة: يا أبا محمد قد أنعم عليه فشكر وابتلي فصبر وحبس النعمة كيف يكون زاهدا؟ فضربني بيده وقال: اسكت من لم تمنعه النعماء من الشكر ولا البلوى من الصبر فذلك الزهد. وافقهما الزهري كذلك وقد فصل أبو سليمان ذلك .

(قال) أبو الحسن أحمد (ابن أبي الحواري) الدمشقي صاحب أبا سليمان الداراني وغيره وكان يسميه الجنيد ريحانة الشام مات سنة 230 (قلت لأبي سليمان) الداراني - رحمه الله تعالى - : (أكان داود) بن نصير (الطائي) أبو سليمان (زاهدا؟ قال: نعم، قلت: قد بلغني أنه ورث عن أبيه عشرين دينارا فأنفقها في عشرين سنة فكيف كان زاهدا وهو يمسك الدنانير؟) رواه كذلك عثمان بن زفر عن ابن عم لداود، وقد تقدم، وروى أبو نعيم في الحلية عن أبي محمد بن حيان، حدثنا إسحاق بن حسان، حدثنا أحمد بن أبي الحواري قال قال أبو سليمان الداراني ورث داود الطائي من أبيه دنانير فكان ينفق منها حتى كفن بآخرها .

(فقال: أردت منه أن يبلغ حقيقة الزهد وأراد بالحقيقة الغاية فإن الزهد ليس له غاية) ينتهي السالك إليها (لكثرة صفات النفس ولا يتم الزهد إلا بالزهد في جميعها) والحب للجليل والأنس باللطيف هما غاية الطالبين، فمن لم يتحقق بالزهد لم يبلغ مقام الحب، ولم يدرك حال الأنس، وسرائر الغيب الملكوتية في مقام الحب، والخلة اليقينية وغيابات السر العزية الجبروتية في حال الأنس (فكل من ترك من الدنيا شيئا مع القدرة عليه خوفا على قلبه وعلى دينه فله مدخل في الزهد بقدر ما تركه) وهذا أوله وله درجات (وآخره أن يترك كل ما سوى الله) تعالى (حتى لا يتوسد حجرا) أي: لا يضع رأسه على شيء مرتفع ولو حجرا فإنه من جملة نعيم الدنيا لحصول الراحة للنفس بسببه (كما فعله المسيح) عيسى (- عليه السلام -) وتقدم ذكره قريبا .

وبين هذين مقامات ولتلك المقامات درجات وقد عين بعضهم للزهد أربعة وعشرين مقاما ونوعه ومنهم من أوصل إلى ثلاثة وسبعين مقاما (فنسأل الله تعالى أن يرزقنا من مباديه) أي: الزهد (نصيبا وإن قل فإن أمثالنا لا يستجرئ على الطمع في غاياته وإن كان قطع الرجاء عن فضل الله) تعالى (غير مأذون فيه. وإذا لاحظنا عجائب نعم الله تعالى علينا) ظاهرة وباطنة (علمنا أن الله تعالى لا يتعاظمه شيء فلا بعد في أن نعظم السؤال اعتمادا على الجود) الإلهي (المجاوز لكل كمال) فما لا يدرك كله لا يترك كله، ومن فاته من الكمال وبله لا يفوته طله (فإذا علامة الزهد استواء الفقر والغنى والعز والمدح والذم لغلبة الأنس بالله) المتوحد بالأفعال وقال يحيى بن معاذ: لا يكمل للزاهد زهده إلا باستواء الحال في هذه الخصال الموجود والمقصود والسفر والحضر والعز والذل والمدح والذم والغنى والفقر.




الخدمات العلمية