السبب الثاني : لقوة المحبة
nindex.php?page=treesubj&link=19891_28683_19981قوة معرفة الله تعالى واتساعها واستيلاؤها على القلب ، وذلك بعد تطهير القلب من جميع شواغل الدنيا وعلائقها يجري مجرى وضع البذر في الأرض بعد تنقيتها من الحشيش وهو الشطر الثاني ثم يتولد من هذا البذر شجرة المحبة والمعرفة ، وهي الكلمة الطيبة التي ضرب الله بها مثلا حيث قال
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=24ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء وإليها الإشارة بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=10إليه يصعد الكلم الطيب أي المعرفة
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=10والعمل الصالح يرفعه فالعمل الصالح كالجمال لهذه المعرفة ، وكالخادم ، وإنما
nindex.php?page=treesubj&link=30512_30503العمل الصالح كله في تطهير القلب أولا من الدنيا ثم إدامة طهارته فلا يراد العمل إلا لهذه المعرفة ، وأما العلم بكيفية العمل فيراد للعمل ، فالعلم هو الأول وهو الآخر وإنما الأول علم المعاملة وغرضه العمل وغرض المعاملة صفاء القلب وطهارته ؛ ليتضح فيه جلية الحق ويتزين بعلم المعرفة ، وهو علم المكاشفة ، ومهما حصلت هذه المعرفة تبعتها المحبة بالضرورة ، كما أن من كان معتدل المزاج إذا أبصر الجميل وأدركه بالعين الظاهرة أحبه ومال إليه ، ومهما أحبه حصلت اللذة ، فاللذة تبع المحبة بالضرورة ، والمحبة تبع المعرفة بالضرورة ، ولا يوصل إلى هذه المعرفة بعد انقطاع شواغل الدنيا من القلب إلا بالفكر الصافي والذكر الدائم والجد البالغ في الطلب والنظر المستمر في الله تعالى وفي صفاته وفي ملكوت سماواته وسائر مخلوقاته ، والواصلون إلى هذه الرتبة ينقسمون إلى الأقوياء ويكون أول معرفتهم بالله تعالى ، ثم به يعرفون غيره ، وإلى الضعفاء ويكون أول معرفتهم بالأفعال ، ثم يترقون منها إلى الفاعل وإلى الأول الإشارة بقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=53أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد وبقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=18شهد الله أنه لا إله إلا هو ومنه نظر بعضهم حيث قيل له : بم عرفت ربك قال : عرفت ربي ، ولولا ربي لما عرفت ربي وإلى الثاني الإشارة بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=53سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق الآية وبقوله عز وجل :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=185أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وبقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=101قل انظروا ماذا في السماوات والأرض وبقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=3الذي خلق سبع سماوات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=4ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير وهذا الطريق هو الأسهل على الأكثرين ، وهو الأوسع على السالكين ، وإليه أكثر دعوة القرآن عند الأمر بالتدبر والتفكر والاعتبار والنظر في آيات خارجة عن الحصر فإن قلت : كلا الطريقين مشكل فأوضح لنا منهما ما يستعان به على تحصيل المعرفة والتوصل به إلى المحبة ، فاعلم أن الطريق الأعلى هو ، الاستشهاد بالحق سبحانه على سائر الخلق فهو غامض ، والكلام فيه خارج عن حد فهم أكثر الخلق ، فلا فائدة في إيراده في الكتب وأما الطريق الأسهل الأدنى فأكثره غير خارج عن حد الأفهام ، وإنما قصرت الأفهام عنه لإعراضها عن التدبر واشتغالها بشهوات الدنيا وحظوظ النفس ، والمانع من ذكر هذا اتساعه وكثرته وانشعاب أبوابه الخارجة عن الحصر والنهاية ؛ إذ ما من ذرة من أعلى السموات إلى تخوم الأرضين إلا وفيها
nindex.php?page=treesubj&link=28874_33679عجائب آيات تدل على كمال قدرة الله تعالى وكمال حكمته ومنتهى جلاله وعظمته وذلك مما لا يتناهى قل ، لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ؛ فالخوض فيه انغماس في بحار علوم المكاشفة ، ولا يمكن أن يتطفل به على علوم المعاملة ، ولكن يمكن الرمز إلى مثال واحد على الإيجاز ليقع التنبيه لجنسه فنقول : أسهل الطريقين النظر إلى الأفعال ، فلنتكلم فيها ولنترك الأعلى ، ثم الأفعال الإلهية كثيرة ؛ فنطلب أقلها وأحقرها وأصغرها ولننظر في عجائبها ، فأقل المخلوقات هو الأرض وما عليها أعني بالإضافة إلى الملائكة وملكوت السموات ؛ فإنك إن نظرت فيها من حيث الجسم والعظم في الشخص ، فالشمس على ما ترى من صغر حجمها هي مثل الأرض مائة ونيفا وستين مرة فانظر إلى صغر الأرض ، بالإضافة إليها ، ثم انظر إلى صغر الشمس بالإضافة إلى فلكها الذي هي مركوزة فيه ؛ فإنه لا نسبة لها إليه وهي في السماء الرابعة ، وهي صغيرة بالإضافة إلى ما فوقها من السموات السبع ، ثم السموات السبع في الكرسي كحلقة في فلاة والكرسي في العرش كذلك فهذا نظر إلى ظاهر الأشخاص من حيث المقادير ، وما أحقر الأرض كلها بالإضافة إليها ، بل ما أصغر الأرض بالإضافة إلى البحار ! فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
الأرض في البحر كالإصطبل في الأرض ومصداق هذا عرف بالمشاهدة والتجربة وعلم أن المكشوف من الأرض عن الماء كجزيرة صغيرة بالإضافة إلى كل الأرض ثم
nindex.php?page=treesubj&link=19778_19790_19789انظر إلى الآدمي المخلوق من التراب الذي هو جزء من الأرض وإلى سائر الحيوانات وإلى صغره بالإضافة إلى الأرض ودع عنك جميع ذلك ، فأصغر ما نعرفه من الحيوانات البعوض والنحل وما يجري مجراه فانظر في البعوض على قدر صغر قدره وتأمله بعقل حاضر وفكر صاف فانظر كيف خلقه الله تعالى على شكل الفيل الذي هو أعظم الحيوانات ؛ إذ خلق له خرطوما مثل خرطومه وخلق له على شكله الصغير سائر الأعضاء ، كما خلقه للفيل بزيادة جناحين وانظر كيف قسم أعضاءه الظاهرة فأنبت جناحه وأخرج يده ورجله وشق سمعه وبصره ودبر في باطنه من أعضاء الغذاء وآلاته ما دبره في سائر الحيوانات وركب فيها من القوى الغاذية والجاذبة والدافعة والماسكة والهاضمة ما ركب في سائر الحيوانات هذا في شكله وصفاته ، ثم انظر إلى هدايته كيف هداه الله تعالى إلى غذائه وعرفه أن غذاءه دم الإنسان ، ثم انظر كيف أنبت له آلة الطيران إلى الإنسان ، وكيف خلق له الخرطوم الطويل وهو محدد الرأس وكيف ، هداه إلى مسام بشرة الإنسان حتى يضع خرطومه في واحد منها ، ثم كيف قواه حتى يغرز فيه الخرطوم وكيف علمه المص والتجرع للدم وكيف خلق الخرطوم مع دقته مجوفا حتى يجري فيه الدم الرقيق وينتهي إلى باطنه وينتشر في سائر أجزائه ويغذيه ثم كيف عرفه أن الإنسان يقصده بيده فعلمه حيلة الهرب واستعداد آلته وخلق له السمع الذي يسمع به خفيف حركة اليد وهي بعد بعيدة منه فيترك المص ويهرب ثم إذا ، سكنت اليد يعود ثم انظر كيف خلق له حدقتين حتى يبصر موضع غذائه فيقصده مع صغر حجم وجهه .
وانظر إلى أن حدقة كل حيوان صغير لما لم تحتمل حدقة الأجفان لصغره وكانت الأجفان مصقلة لمرآة الحدقة عن القذى والغبار خلق للبعوض والذباب يدين فتنظر إلى الذباب فتراه على الدوام يمسح حدقتيه بيديه .
وأما الإنسان والحيوان الكبير فخلق لحدقتيه الأجفان حتى ينطبق أحدهما على الآخر وأطرافهما حادة .فيجمع ، الغبار الذي يلحق الحدقة ويرميه إلى أطراف الأهداب ، وخلق الأهداب السود لتجمع ضوء العين وتعين على الإبصار وتحسن صورة العين وتشبكها عند هيجان الغبار فينظر من وراء شباك الأهداب ، واشتباكها يمنع دخول الغبار ولا يمنع الإبصار .
وأما البعوض فخلق لها حدقتين مصقلتين من غير أجفان وعلمها كيفية التصقيل باليدين ولأجل ضعف إبصارها تراها تتهافت على السراج ؛ لأن بصره ضعيف ، فهي تطلب ضوء النهار ، فإذا رأى المسكين ضوء السراج بالليل ظن أنه في بيت مظلم وأن السراج كوة من البيت المظلم إلى الموضع المضيء ، فلا يزال يطلب الضوء ويرمي بنفسه إليه ، فإذا جاوزه ورأى الظلام ظن أنه لم يصب الكوة ولم يقصدها على السداد فيعود إليه مرة أخرى إلى أن يحترق ولعلك تظن أن هذا لنقصانها وجهلها ، فاعلم أن جهل الإنسان أعظم من جهلها ، بل صورة الآدمي في الإكباب على شهوات الدنيا صورة الفراش في التهافت على النار ؛ إذ تلوح ؛ للآدمي أنوار الشهوات من حيث ظاهر صورتها ، ولا يدري أن تحتها السم الناقع القاتل ، فلا يزال يرمي نفسه عليها إلى أن ينغمس فيها ويتقيد بها ويهلك هلاكا مؤبدا ، فليت كان جهل الآدمي كجهل الفراش فإنها باغترارها بظاهر الضوء إن احترقت تخلصت في الحال ، والآدمي يبقى في النار أبد الآباد ، أو مدة مديدة ولذلك كان ينادي رسول الله : صلى الله عليه وسلم : ويقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=103548إني ممسك بحجزكم عن النار ، وأنتم تتهافتون فيها تهافت الفراش .
السَّبَبُ الثَّانِي : لِقُوَّةِ الْمَحَبَّةِ
nindex.php?page=treesubj&link=19891_28683_19981قُوَّةُ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَاتِّسَاعُهَا وَاسْتِيلَاؤُهَا عَلَى الْقَلْبِ ، وَذَلِكَ بَعْدَ تَطْهِيرِ الْقَلْبِ مِنْ جَمِيعِ شَوَاغِلِ الدُّنْيَا وَعَلَائِقِهَا يَجْرِي مَجْرَى وَضْعِ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ بَعْدَ تَنْقِيَتِهَا مِنَ الْحَشِيشِ وَهُوَ الشَّطْرُ الثَّانِي ثُمَّ يَتَوَلَّدُ مِنْ هَذَا الْبَذْرِ شَجَرَةُ الْمَحَبَّةِ وَالْمَعْرِفَةِ ، وَهِيَ الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ الَّتِي ضَرَبَ اللَّهُ بِهَا مَثَلًا حَيْثُ قَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=24ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةً أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ وَإِلَيْهَا الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=10إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ أَيِ الْمَعْرِفَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=10وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ فَالْعَمَلُ الصَّالِحُ كَالْجَمَالِ لِهَذِهِ الْمَعْرِفَةِ ، وَكَالْخَادِمِ ، وَإِنَّمَا
nindex.php?page=treesubj&link=30512_30503الْعَمَلُ الصَّالِحُ كُلُّهُ فِي تَطْهِيرِ الْقَلْبِ أَوَّلًا مِنَ الدُّنْيَا ثُمَّ إِدَامَةُ طَهَارَتِهِ فَلَا يُرَادُ الْعَمَلُ إِلَّا لِهَذِهِ الْمَعْرِفَةِ ، وَأَمَّا الْعِلْمُ بِكَيْفِيَّةِ الْعَمَلِ فَيُرَادُ لِلْعَمَلِ ، فَالْعِلْمُ هُوَ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْآخَرُ وَإِنَّمَا الْأَوَّلُ عِلْمُ الْمُعَامَلَةِ وَغَرَضُهُ الْعَمَلُ وَغَرَضُ الْمُعَامَلَةِ صَفَاءُ الْقَلْبِ وَطَهَارَتُهُ ؛ لِيَتَّضِحَ فِيهِ جَلِيَّةُ الْحَقِّ وَيَتَزَيَّنَ بِعِلْمِ الْمَعْرِفَةِ ، وَهُوَ عِلْمُ الْمُكَاشَفَةِ ، وَمَهْمَا حَصَلَتْ هَذِهِ الْمَعْرِفَةُ تَبِعَتْهَا الْمَحَبَّةُ بِالضَّرُورَةِ ، كَمَا أَنَّ مَنْ كَانَ مُعْتَدِلَ الْمِزَاجِ إِذَا أَبْصَرَ الْجَمِيلَ وَأَدْرَكَهُ بِالْعَيْنِ الظَّاهِرَةِ أَحَبَّهُ وَمَالَ إِلَيْهِ ، وَمَهْمَا أَحَبَّهُ حَصَلَتِ اللَّذَّةُ ، فَاللَّذَّةُ تَبَعُ الْمَحَبَّةِ بِالضَّرُورَةِ ، وَالْمَحَبَّةُ تَبَعُ الْمَعْرِفَةِ بِالضَّرُورَةِ ، وَلَا يُوصَلُ إِلَى هَذِهِ الْمَعْرِفَةِ بَعْدَ انْقِطَاعِ شَوَاغِلِ الدُّنْيَا مِنَ الْقَلْبِ إِلَّا بِالْفِكْرِ الصَّافِي وَالذِّكْرِ الدَّائِمِ وَالْجَدِّ الْبَالِغِ فِي الطَّلَبِ وَالنَّظَرِ الْمُسْتَمِرِّ فِي اللَّهِ تَعَالَى وَفِي صِفَاتِهِ وَفِي مَلَكُوتِ سَمَاوَاتِهِ وَسَائِرِ مَخْلُوقَاتِهِ ، وَالْوَاصِلُونَ إِلَى هَذِهِ الرُّتْبَةِ يَنْقَسِمُونَ إِلَى الْأَقْوِيَاءِ وَيَكُونُ أَوَّلُ مَعْرِفَتِهِمْ بِاللَّهِ تَعَالَى ، ثُمَّ بِهِ يَعْرِفُونَ غَيْرَهُ ، وَإِلَى الضُّعَفَاءِ وَيَكُونُ أَوَّلُ مَعْرِفَتِهِمْ بِالْأَفْعَالِ ، ثُمَّ يَتَرَقَّوْنَ مِنْهَا إِلَى الْفَاعِلِ وَإِلَى الْأَوَّلِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=53أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=18شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَمِنْهُ نَظَرُ بَعْضِهِمْ حَيْثُ قِيلَ لَهُ : بِمَ عَرَفْتَ رَبَّكَ قَالَ : عَرَفْتُ رَبِّي ، وَلَوْلَا رَبِّي لَمَا عَرَفْتُ رَبِّي وَإِلَى الثَّانِي الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=53سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ الْآيَةَ وَبِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=185أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=101قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=3الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلَقَ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=4ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرَ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ وَهَذَا الطَّرِيقُ هُوَ الْأَسْهَلُ عَلَى الْأَكْثَرِينَ ، وَهُوَ الْأَوْسَعُ عَلَى السَّالِكِينَ ، وَإِلَيْهِ أَكْثَرُ دَعْوَةِ الْقُرْآنِ عِنْدَ الْأَمْرِ بِالتَّدَبُّرِ وَالتَّفَكُّرِ وَالِاعْتِبَارِ وَالنَّظَرِ فِي آيَاتٍ خَارِجَةٍ عَنِ الْحَصْرِ فَإِنْ قُلْتَ : كِلَا الطَّرِيقَيْنِ مُشْكِلٌ فَأَوْضَحَ لَنَا مِنْهُمَا مَا يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى تَحْصِيلِ الْمَعْرِفَةِ وَالتَّوَصُّلِ بِهِ إِلَى الْمَحَبَّةِ ، فَاعْلَمْ أَنَّ الطَّرِيقَ الْأَعْلَى هُوَ ، الِاسْتِشْهَادُ بِالْحَقِّ سُبْحَانَهُ عَلَى سَائِرِ الْخَلْقِ فَهُوَ غَامِضٌ ، وَالْكَلَامُ فِيهِ خَارِجٌ عَنْ حَدِّ فَهْمِ أَكْثَرِ الْخَلْقِ ، فَلَا فَائِدَةَ فِي إِيرَادِهِ فِي الْكُتُبِ وَأَمَّا الطَّرِيقُ الْأَسْهَلُ الْأَدْنَى فَأَكْثَرُهُ غَيْرُ خَارِجٍ عَنْ حَدِّ الْأَفْهَامِ ، وَإِنَّمَا قَصُرَتِ الْأَفْهَامُ عَنْهُ لِإِعْرَاضِهَا عَنِ التَّدَبُّرِ وَاشْتِغَالِهَا بِشَهَوَاتِ الدُّنْيَا وَحُظُوظِ النَّفْسِ ، وَالْمَانِعُ مِنْ ذِكْرِ هَذَا اتِّسَاعُهُ وَكَثْرَتُهُ وَانْشِعَابُ أَبْوَابِهِ الْخَارِجَةِ عَنِ الْحَصْرِ وَالنِّهَايَةِ ؛ إِذْ مَا مِنْ ذَرَّةٍ مِنْ أَعْلَى السَّمَوَاتِ إِلَى تُخُومِ الْأَرْضِينَ إِلَّا وَفِيهَا
nindex.php?page=treesubj&link=28874_33679عَجَائِبُ آيَاتٍ تَدُلُّ عَلَى كَمَالِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَمَالِ حِكْمَتِهِ وَمُنْتَهَى جَلَالِهِ وَعَظَمَتِهِ وَذَلِكَ مِمَّا لَا يَتَنَاهَى قُلْ ، لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي ؛ فَالْخَوْضُ فِيهِ انْغِمَاسٌ فِي بِحَارِ عُلُومِ الْمُكَاشَفَةِ ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَطَفَّلَ بِهِ عَلَى عُلُومِ الْمُعَامَلَةِ ، وَلَكِنْ يُمْكِنُ الرَّمْزُ إِلَى مِثَالٍ وَاحِدٍ عَلَى الْإِيجَازِ لِيَقَعَ التَّنْبِيهُ لِجِنْسِهِ فَنَقُولُ : أَسْهَلُ الطَّرِيقَيْنِ النَّظَرُ إِلَى الْأَفْعَالِ ، فَلْنَتَكَلَّمْ فِيهَا وَلْنَتْرُكِ الْأَعْلَى ، ثُمَّ الْأَفْعَالُ الْإِلَهِيَّةُ كَثِيرَةٌ ؛ فَنَطْلُبُ أَقَلَّهَا وَأَحْقَرَهَا وَأَصْغَرَهَا وَلْنَنْظُرْ فِي عَجَائِبِهَا ، فَأَقَلُّ الْمَخْلُوقَاتِ هُوَ الْأَرْضُ وَمَا عَلَيْهَا أَعْنِي بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْمَلَائِكَةِ وَمَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ ؛ فَإِنَّكَ إِنْ نَظَرْتَ فِيهَا مِنْ حَيْثُ الْجِسْمِ وَالْعَظْمِ فِي الشَّخْصِ ، فَالشَّمْسُ عَلَى مَا تَرَى مِنْ صِغَرِ حَجْمِهَا هِيَ مِثْلُ الْأَرْضِ مِائَةً وَنَيِّفًا وَسِتِّينَ مَرَّةً فَانْظُرْ إِلَى صِغَرِ الْأَرْضِ ، بِالْإِضَافَةِ إِلَيْهَا ، ثُمَّ انْظُرْ إِلَى صِغَرِ الشَّمْسِ بِالْإِضَافَةِ إِلَى فَلَكِهَا الَّذِي هِيَ مَرْكُوزَةٌ فِيهِ ؛ فَإِنَّهُ لَا نِسْبَةَ لَهَا إِلَيْهِ وَهِيَ فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ ، وَهِيَ صَغِيرَةٌ بِالْإِضَافَةِ إِلَى مَا فَوْقَهَا مِنَ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ ، ثُمَّ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ فِي الْكُرْسِيِّ كَحَلْقَةٍ فِي فَلَاةٍ وَالْكُرْسِيُّ فِي الْعَرْشِ كَذَلِكَ فَهَذَا نَظَرٌ إِلَى ظَاهِرِ الْأَشْخَاصِ مِنْ حَيْثُ الْمَقَادِيرِ ، وَمَا أَحْقَرَ الْأَرْضَ كُلَّهَا بِالْإِضَافَةِ إِلَيْهَا ، بَلْ مَا أَصْغَرَ الْأَرْضَ بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْبِحَارِ ! فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
الْأَرْضُ فِي الْبَحْرِ كَالْإِصْطَبْلِ فِي الْأَرْضِ وَمِصْدَاقُ هَذَا عُرِفَ بِالْمُشَاهَدَةِ وَالتَّجْرِبَةِ وَعُلِمَ أَنَّ الْمَكْشُوفَ مِنَ الْأَرْضِ عَنِ الْمَاءِ كَجَزِيرَةٍ صَغِيرَةٍ بِالْإِضَافَةِ إِلَى كُلِّ الْأَرْضِ ثُمَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19778_19790_19789انْظُرْ إِلَى الْآدَمِيِّ الْمَخْلُوقِ مِنَ التُّرَابِ الَّذِي هُوَ جُزْءٌ مِنَ الْأَرْضِ وَإِلَى سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ وَإِلَى صِغَرِهِ بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْأَرْضِ وَدَعْ عَنْكَ جَمِيعَ ذَلِكَ ، فَأَصْغَرُ مَا نَعْرِفُهُ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ الْبَعُوضُ وَالنَّحْلُ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ فَانْظُرْ فِي الْبَعُوضِ عَلَى قَدْرِ صِغَرِ قَدْرِهِ وَتَأَمَّلْهُ بِعَقْلٍ حَاضِرٍ وَفِكْرٍ صَافٍ فَانْظُرْ كَيْفَ خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى شَكْلِ الْفِيلِ الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ الْحَيَوَانَاتِ ؛ إِذْ خَلَقَ لَهُ خُرْطُومًا مِثْلَ خُرْطُومِهِ وَخَلَقَ لَهُ عَلَى شَكْلِهِ الصَّغِيرِ سَائِرَ الْأَعْضَاءِ ، كَمَا خَلَقَهُ لِلْفِيلِ بِزِيَادَةِ جَنَاحَيْنِ وَانْظُرْ كَيْفَ قَسَّمَ أَعْضَاءَهُ الظَّاهِرَةَ فَأَنْبَتَ جَنَاحَهُ وَأَخْرَجَ يَدَهُ وَرِجْلَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ وَدَبَّرَ فِي بَاطِنِهِ مِنْ أَعْضَاءِ الْغِذَاءِ وَآلَاتِهِ مَا دَبَّرَهُ فِي سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ وَرَكَّبَ فِيهَا مِنَ الْقُوَى الْغَاذِيَةِ وَالْجَاذِبَةِ وَالدَّافِعَةِ وَالْمَاسِكَةِ وَالْهَاضِمَةِ مَا رَكَّبَ فِي سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ هَذَا فِي شَكْلِهِ وَصِفَاتِهِ ، ثُمَّ انْظُرْ إِلَى هِدَايَتِهِ كَيْفَ هَدَاهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى غِذَائِهِ وَعَرَّفَهُ أَنَّ غِذَاءَهُ دَمُ الْإِنْسَانِ ، ثُمَّ انْظُرْ كَيْفَ أَنْبَتَ لَهُ آلَةَ الطَّيَرَانِ إِلَى الْإِنْسَانِ ، وَكَيْفَ خَلَقَ لَهُ الْخُرْطُومَ الطَّوِيلَ وَهُوَ مُحَدَّدُ الرَّأْسِ وَكَيْفَ ، هَدَاهُ إِلَى مَسَامِّ بَشَرَةِ الْإِنْسَانِ حَتَّى يَضَعَ خُرْطُومَهُ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا ، ثُمَّ كَيْفَ قَوَّاهُ حَتَّى يَغْرِزَ فِيهِ الْخُرْطُومَ وَكَيْفَ عَلَّمَهُ الْمَصَّ وَالتَّجَرُّعَ لِلدَّمِ وَكَيْفَ خَلَقَ الْخُرْطُومَ مَعَ دِقَّتِهِ مُجَوَّفًا حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ الدَّمُ الرَّقِيقُ وَيَنْتَهِيَ إِلَى بَاطِنِهِ وَيَنْتَشِرَ فِي سَائِرِ أَجْزَائِهِ وَيُغَذِّيَهُ ثُمَّ كَيْفَ عَرَّفَهُ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَقْصِدُهُ بِيَدِهِ فَعَلَّمَهُ حِيلَةَ الْهَرَبِ وَاسْتِعْدَادَ آلَتِهِ وَخَلَقَ لَهُ السَّمْعَ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ خَفِيفَ حَرَكَةِ الْيَدِ وَهِيَ بَعْدُ بَعِيدَةٌ مِنْهُ فَيَتْرُكُ الْمَصَّ وَيَهْرُبُ ثُمَّ إِذَا ، سَكَنَتِ الْيَدُ يَعُودُ ثُمَّ انْظُرْ كَيْفَ خَلَقَ لَهُ حَدَقَتَيْنِ حَتَّى يُبْصِرَ مَوْضِعَ غِذَائِهِ فَيَقْصِدَهُ مَعَ صِغَرِ حَجْمِ وَجْهِهِ .
وَانْظُرْ إِلَى أَنَّ حَدَقَةَ كُلِّ حَيَوَانٍ صَغِيرٍ لَمَّا لَمْ تَحْتَمِلْ حَدَقَةَ الْأَجْفَانِ لِصِغَرِهِ وَكَانَتِ الْأَجْفَانُ مُصْقَلَةً لِمِرْآةِ الْحَدَقَةِ عَنِ الْقَذَى وَالْغُبَارِ خَلَقَ لِلْبَعُوضِ وَالذُّبَابِ يَدَيْنِ فَتَنْظُرُ إِلَى الذُّبَابِ فَتَرَاهُ عَلَى الدَّوَامِ يَمْسَحُ حَدَقَتَيْهِ بِيَدَيْهِ .
وَأَمَّا الْإِنْسَانُ وَالْحَيَوَانُ الْكَبِيرُ فَخَلَقَ لِحَدَقَتَيْهِ الْأَجْفَانَ حَتَّى يَنْطَبِقَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ وَأَطْرَافُهُمَا حَادَّةٌ .فَيَجْمَعَ ، الْغُبَارَ الَّذِي يَلْحَقُ الْحَدَقَةَ وَيَرْمِيَهُ إِلَى أَطْرَافِ الْأَهْدَابِ ، وَخَلَقَ الْأَهْدَابَ السُّودَ لِتَجْمَعَ ضَوْءَ الْعَيْنِ وَتُعِينَ عَلَى الْإِبْصَارِ وَتُحَسِّنَ صُورَةَ الْعَيْنِ وَتَشَبُّكُهَا عِنْدَ هَيَجَانِ الْغُبَارِ فَيَنْظُرُ مِنْ وَرَاءِ شِبَاكِ الْأَهْدَابِ ، وَاشْتِبَاكُهَا يَمْنَعُ دُخُولَ الْغُبَارِ وَلَا يَمْنَعُ الْإِبْصَارَ .
وَأَمَّا الْبَعُوضُ فَخَلَقَ لَهَا حَدَقَتَيْنِ مُصْقَلَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ أَجْفَانٍ وَعَلَّمَهَا كَيْفِيَّةَ التَّصْقِيلِ بِالْيَدَيْنِ وَلِأَجْلِ ضَعْفِ إِبْصَارِهَا تَرَاهَا تَتَهَافَتُ عَلَى السِّرَاجِ ؛ لِأَنَّ بَصَرَهُ ضَعِيفٌ ، فَهِيَ تَطْلُبُ ضَوْءَ النَّهَارِ ، فَإِذَا رَأَى الْمِسْكِينُ ضَوْءَ السِّرَاجِ بِاللَّيْلِ ظَنَّ أَنَّهُ فِي بَيْتٍ مُظْلِمٍ وَأَنَّ السِّرَاجَ كُوَّةٌ مِنَ الْبَيْتِ الْمُظْلِمِ إِلَى الْمَوْضِعِ الْمُضِيءِ ، فَلَا يَزَالُ يَطْلُبُ الضَّوْءَ وَيَرْمِي بِنَفْسِهِ إِلَيْهِ ، فَإِذَا جَاوَزَهُ وَرَأَى الظَّلَامَ ظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يُصِبِ الْكُوَّةَ وَلَمْ يَقْصِدْهَا عَلَى السَّدَادِ فَيَعُودُ إِلَيْهِ مَرَّةً أُخْرَى إِلَى أَنْ يَحْتَرِقَ وَلَعَلَّكَ تَظُنُّ أَنَّ هَذَا لِنُقْصَانِهَا وَجَهْلِهَا ، فَاعْلَمْ أَنَّ جَهْلَ الْإِنْسَانِ أَعْظَمُ مِنْ جَهْلِهَا ، بَلْ صُورَةُ الْآدَمِيِّ فِي الْإِكْبَابِ عَلَى شَهَوَاتِ الدُّنْيَا صُورَةُ الْفَرَاشِ فِي التَّهَافُتِ عَلَى النَّارِ ؛ إِذْ تَلُوحُ ؛ لِلْآدَمِيِّ أَنْوَارُ الشَّهَوَاتِ مِنْ حَيْثُ ظَاهِرِ صُورَتِهَا ، وَلَا يَدْرِي أَنَّ تَحْتَهَا السُّمَّ النَّاقِعَ الْقَاتِلَ ، فَلَا يَزَالُ يَرْمِي نَفْسَهُ عَلَيْهَا إِلَى أَنْ يَنْغَمِسَ فِيهَا وَيَتَقَيَّدَ بِهَا وَيَهْلِكَ هَلَاكًا مُؤَبَّدًا ، فَلَيْتَ كَانَ جَهْلُ الْآدَمِيِّ كَجَهْلِ الْفَرَاشِ فَإِنَّهَا بِاغْتِرَارِهَا بِظَاهِرِ الضَّوْءِ إِنِ احْتَرَقَتْ تَخَلَّصَتْ فِي الْحَالِ ، وَالْآدَمِيُّ يَبْقَى فِي النَّارِ أَبَدَ الْآبَادِ ، أَوْ مُدَّةً مَدِيدَةً وَلِذَلِكَ كَانَ يُنَادِي رَسُولُ اللَّهِ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَيَقُولُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=103548إِنِّي مُمْسِكٌ بِحُجُزِكُمْ عَنِ النَّارِ ، وَأَنْتُمْ تَتَهَافَتُونَ فِيهَا تَهَافُتَ الْفَرَاشِ .