الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
بيان محبة الله للعبد ومعناها .

اعلم أن شواهد القرآن متظاهرة على أن الله تعالى يحب عبده فلا بد ؛ من معرفة مع معنى ذلك ، ولنقدم الشواهد على محبته فقد قال الله تعالى يحبهم ويحبونه وقال تعالى : إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا وقال تعالى : إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ولذلك رد سبحانه على من ادعى أنه حبيب الله فقال : قل فلم يعذبكم بذنوبكم ، وقد روى أنس عن النبي : صلى الله عليه وسلم : أنه قال : إذا أحب الله تعالى عبدا لم يضره ذنب ، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له ، ثم تلا إن : الله يحب التوابين ومعناه أنه إذا أحبه تاب عليه قبل الموت فلم تضره الذنوب الماضية وإن كثرت ، كما لا يضر الكفر الماضي بعد الإسلام وقد اشترط الله تعالى للمحبة غفران الذنب ، فقال : قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم وقال رسول الله : صلى الله عليه وسلم : إن الله تعالى يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب ، ولا يعطي الإيمان إلا من يحب وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من تواضع لله رفعه الله ، ومن تكبر وضعه الله ، ومن أكثر ذكر الله أحبه الله وقال عليه السلام قال الله تعالى : لا يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به . الحديث .

وقال زيد بن أسلم إن الله ليحب العبد حتى يبلغ من حبه له أن يقول : اعمل ما شئت فقد غفرت لك وما ورد من ألفاظ المحبة خارج عن الحصر .

التالي السابق


(بيان محبة الله للعبد ومعناها)

(اعلم) أرشدك الله تعالى (أن شواهد القرآن متظاهرة على أن الله تعالى يحب عبده؛ فلابد من معرفة معنى ذلك، ولنقدم الشواهد) الدالة (على محبته) تعالى له (فقد قال الله تعالى) يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم (يحبهم ويحبونه ) ثم قال: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، فهذا الخبر هو متصل بالابتداء في المعنى؛ لأن الله تعالى وصف المؤمنين المحبين بفضله عليهم وما بينهما من الكلام فهو نعت المحبوبين (وقال تعالى: إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا) كأنهم بنيان مرصوص ، وقد روي في الخبر: ما كان الله ليعذب حبيبه بالنار (وقال تعالى: إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ولذلك رد الله سبحانه على من ادعى أنه حبيب الله) واحتج عليهم (فقال: قل فلم يعذبكم بذنوبكم ، وقد روى) إسماعيل بن أبي زياد عن أبان عن (أنس) -رضي الله عنه- (عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: إذا أحب الله عبدا لم يضره ذنب، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، ثم تلا: إن الله يحب التوابين) ويحب المتطهرين كذا في القوت .

قال العراقي: ذكره صاحب الفردوس ولم يخرجه ولده في مسنده، وروى ابن ماجه الشطر الثاني من حديث ابن مسعود وتقدم في التوبة. انتهى .

قلت: رواه بتمامه ابن أبي الدنيا والقشيري في الرسالة وابن النجار في تاريخه، قال القشيري: حدثنا أبو بكر بن فورك، أخبرنا أحمد بن محمود بن خوزاد، حدثنا محمد بن الفضل بن جائر، حدثنا سعيد بن عبد الله، حدثنا أحمد بن زكريا، حدثنا أبي قال: سمعت أنس بن مالك يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وإذا أحب الله عبدا لم يضره ذنب، ثم تلا: إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين قيل: يا رسول الله، ما علامة التوبة؟ قال: الندامة، وتقدم في التوبة (ومعناه أنه إذا أحبه تاب عليه قبل الموت فلم تضره الذنوب الماضية وإن كثرت، كما لا يضر الكفر الماضي بعد الإسلام) فقد ورد: الإسلام يجب ما كان قبله. رواه ابن عساكر من حديث خالد بن الوليد، ورواه ابن سعد من حديث الزبير بن العوام، وأيضا من حديث سعيد بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن جده رفعه (وقد اشترط الله تعالى للمحبة غفران الذنب، فقال: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم ) كذا في القوت (وقال -صلى الله عليه وسلم-: إن الله تعالى يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الإيمان إلا من يحب) .

قال العراقي: رواه أحمد وصحح إسناده، والبيهقي في الشعب من حديث ابن مسعود (وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من تواضع لله [ ص: 610 ] رفعه الله، ومن تكبر وضعه الله، ومن أكثر ذكر الله أحبه الله) .

قال العراقي: رواه ابن ماجه من حديث أبي سعيد بإسناد حسن دون قوله: ومن أكثر .. إلخ، فرواه أحمد وأبو يعلى بهذه الزيادة، وفيه ابن لهيعة، انتهى .

قلت: ورواه ابن النجار من حديث أبي هريرة بلفظ: من تواضع لله رفعه الله، ومن اقتصد أغناه الله، ومن ذكر الله أحبه الله. وروى الشطر الأول والثاني في سياق المصنف ابن منده وأبو عبيد من حديث أويس بن خولي، والشطر الأول فقط أبو نعيم في الحلية من حديث أبي هريرة، والشطر الأخير فقط ابن شاهين من حديث عائشة (وقال -صلى الله عليه وسلم- قال الله تعالى: لا يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به .. الحديث) أوله: من آذى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أفضل من أداء ما افترضته عليه، وما يزال عبدي .. إلخ. وتمامه: ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، فلئن سألني أعطيته، ولئن استعاذ بي لأعذته، وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأكره مساءته. رواه البخاري عن محمد بن عثمان بن كرامة، حدثنا خالد بن مخلد، عن سليمان بن بلال، عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عن عطاء، عن أبي هريرة، قال الذهبي: هو من غرائب الصحيح مما تفرد به شريك عن عطاء، وتفرد به خالد عن سليمان، ورواه أبو نعيم في أول الحلية من طريق ابن المؤمل والسراج كلاهما عن ابن كرامة، وقد تقدم قريبا (وقال زيد بن أسلم) العدوي مولاهم التابعي الثقة، وكان كثير الإرسال (إن الله ليحب العبد حتى يبلغ من حبه له أن يقول: اعمل ما شئت فقد غفرت لك) كذا في القوت (وما ورد من ألفاظ المحبة خارج عن الحصر) فمن مشهور ذلك ما رواه الشيخان من حديث أبي هريرة: إذا أحب الله -عز وجل- عبدا نادى جبريل: إن الله يحب فلانا فأحببه فيحبه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض، وفي الحلية من حديث أنس: إذا أحب الله عبدا قذف حبه في قلوب الملائكة .. الحديث .




الخدمات العلمية