الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وأما الآثار ، فقد قال ابن عباس رضي الله عنهما .

أول من يدعى إلى الجنة يوم القيامة الذين يحمدون الله تعالى على كل حال .

وقال عمر بن عبد العزيز ما بقي لي سرور إلا في مواقع القدر . وقيل له : ما تشتهي فقال : ما يقضي الله .

وقال ميمون بن مهران من لم يرض بالقضاء فليس لحمقه دواء .

وقال الفضيل إن لم تصبر على تقدير الله لم تصبر على تقدير نفسك . وقال عبد العزيز بن أبي رواد ليس الشأن في أكل خبز الشعير والخل ، ولا في لبس الصوف والشعر ، ولكن الشأن في الرضا عن الله عز وجل وقال عبد الله بن مسعود لأن ألحس جمرة أحرقت ما أحرقت وأبقت ما أبقت ، أحب إلي من أن أقول لشيء كان ليته لم يكن أو لشيء لم يكن ، ليته كان .

ونظر رجل إلى قرحة في رجل محمد بن واسع فقال : إني لأرحمك من هذه القرحة . فقال : إني لأشكرها منذ خرجت ؛ إذ لم تخرج في عيني .

وروي في الإسرائيليات أن عابدا عبد الله دهرا طويلا ، فأري في المنام : فلانة الراعية رفيقتك في الجنة . فسأل عنها إلى أن وجدها ، فاستضافها ثلاثا لينظر إلى عملها ، فكان يبيت قائما وتبيت نائمة ، ويظل صائما وتظل مفطرة .

فقال : أما لك عمل غير ما رأيت ؟ فقالت : ما هو ؟ ؟ والله إلا ما رأيت لا أعرف غيره . فلم يزل يقول : تذكري ، حتى قالت : خصيلة واحدة هي في ، إن كنت في شدة لم أتمن أن أكون في رخاء ، وإن كنت في مرض لم أتمن أن أكون في صحة ، وإن كنت في الشمس لم أتمن أن أكون في الظل . فوضع العابد يده على رأسه وقال : أهذه خصيلة هذه ؟ والله خصلة عظيمة يعجز عنها العباد .

وعن بعض السلف أن : الله تعالى إذا قضى في السماء قضاء أحب من أهل الأرض أن يرضوا بقضائه .

وقال أبو الدرداء ذروة الإيمان الصبر للحكم والرضا بالقدر وقال عمر رضي الله عنه :

ما أبالي على أي حال أصبحت وأمسيت من شدة أو رخاء .

وقال الثوري يوما عند رابعة : اللهم ارض عني . فقالت : أما تستحي من الله أن تسأله الرضا وأنت عنه غير راض ؟! فقال أستغفر الله فقال جعفر بن سليمان الضبعي فمتى يكون العبد راضيا عن الله تعالى ؟ قالت : إذا كان سروره بالمصيبة مثل سروره بالنعمة .

وكان الفضيل يقول : إذا استوى عنده المنع والعطاء فقد رضي عن الله تعالى وقال أحمد بن أبي الحواري قال أبو سليمان الداراني إن الله : عز وجل : من كرمه قد رضي من عبيده بما رضي العبيد من مواليهم . قلت : وكيف ذاك ؟ قال : أليس مراد العبد من الخلق أن يرضى عنه مولاه ؟ قلت : نعم . قال : فإن محبة الله من عبيده أن يرضوا عنه .

وقال سهل حظ العبيد من اليقين على قدر حظهم من الرضا ، وحظهم من الرضا على قدر عيشهم مع الله عز وجل وقد قال النبي : صلى الله عليه وسلم : إن الله : عز وجل بحكمته وجلاله جعل الروح والفرح في الرضا واليقين ، وجعل الغم والحزن في الشك والسخط .

التالي السابق


(وأما الآثار، فقد قال ابن عباس) -رضي الله عنه-: (أول من يدعى إلى الجنة يوم القيامة) ، أي: ليدخلها (الذين يحمدون الله تعالى على كل حال) ، أي: في السراء والضراء (وقال عمر بن عبد العزيز) رحمه الله تعالى: لقد أصبحت و (ما بقي لي سرور إلا في مواقع القدر. وقيل له: ما تشتهي؟ قال: ما يقضي الله تعالى) وقال أبو عبد الرحمن البناجي: من عباد الله خلق يستحيون من الصبر، يتلقفون مواقع أقداره بالرضا تلقفا. (وقال ميمون بن مهران) الخزرجي رحمه الله: (من لم يرض بالقضاء فليس لحمقه دواء. وقال الفضيل) بن عياض -رحمه الله تعالى-: (إن لم تصلح على تقدير الله تعالى لم تصلح على تقدير نفسك. وقال) أبو عبد الرحمن (عبد العزيز بن أبي رواد) بفتح الراء وتشديد الواو، صدوق عابد، وروى له الأربعة، أسند عن كبار التابعين (ليس الشأن في أكل خبز الشعير والخل، ولا في لبس الصوف والشعر، ولكن الشأن في الرضا عن الله عز وجل) ، وقد كان ذهب بصر عبد العزيز هذا منذ عشرين سنة، فلم يعلم به أهله ولا ولده، فتأمله ابنه ذات يوم فقال: يا أبت، ذهبت عينك؟ قال: نعم يا بني، الرضا عن الله أذهب عين أبيك .

(وقال عبد الله بن مسعود) -رضي الله عنه- (لأن ألحس جمرة أحرقت ما أحرقت وأبقت ما أبقت، أحب إلي من أن أقول لشيء كان ليته لم يكن، أو لشيء لم يكن ليته كان) رواه أبو نعيم في الحلية من طريق أبي الحكم، أو الحكم عن أبي وائل عنه، قال: ما أحد من الناس اليوم إلا يتمنى ... فساقه، وفيه: ولأن يعض أحدكم على جمرة حتى تطفأ خير من أن يقول لأمر قضاه: ليت هذا لم يكن. (ونظر رجل إلى قرحة في رجل محمد بن واسع) البصري -رحمه الله تعالى- (فقال: إني لأرحمك من هذه القرحة. فقال: إني لأشكرها منذ خرجت؛ إذ لم تخرج في عيني) رواه أحمد في الزهد، ومن طريقه أبو نعيم في الحلية، حدثنا محمد بن مصعب قال: سمعت يحيى بن سليم يذكر عن عبد العزيز بن أبي رواد قال: رأيت في يد محمد بن واسع قرحة وكأنه رأى ما قد شق علي منها، فقال لي: أتدري ماذا لله علي في هذه القرحة من نعمة؟ قال: فسكت. فقال: حيث لم يجعلها على حدقتي، ولا على طرف لساني، ولا على طرف ذكري. قال: فهانت علي قرحته.

(وروي في الإسرائيليات أن عابدا عبد الله دهرا طويلا، فأري في المنام: فلانة الراعية رفيقتك في الجنة. فسأل عنها إلى أن وجدها، فاستضافها ثلاثا لينظر إلى عملها، فكان يبيت قائما وتبيت نائمة، ويظل صائما وتظل مفطرة، فقال: أما لك عمل إلا ما رأيت؟ فقالت: ما هو؟ والله ما رأيت لا أعرف غيره. فلم يزل يقول: تذكري، حتى قالت: خصيلة واحدة هي في، إن كنت في شدة لم أتمن أن أكون في رخاء، وإن كنت في مرض لم أتمن أن أكون في صحة، وإن كنت في الشمس لم أتمن أن أكون في الظل. [ ص: 654 ] فوضع العابد يده على رأسه وقال: أهذه خصيلة هذه؟ والله خصلة عظيمة يعجز عنها العباد) كذا لفظ القوت، وقد رواه أبو نعيم في الحلية، فقال: حدثنا أبو محمد بن حيان، حدثنا عبد الله بن محمود بن عبد الله بن محمد بن يزيد بن خنيس، حدثني أبي، عن عبد العزيز بن أبي رواد، قال: بلغني أن عابدا في بني إسرائيل يتعبد فأتي في منامه: إن فلانة زوجتك في الجنة. قال: فلانة! وما عملها؟ فجاءها فقال لها: إني أحب أن أضيفك ثلاثة أيام مع لياليهن. فقالت: بالرحب والسعة. قال: فكان عندها تلك الثلاث يبيت قائما وتبيت نائمة، ويصبح صائما وتصبح مفطرة، فلما مضت قال: ما لك عمل غير هذا؟ ما أوثق عملك عندك؟! قالت: يا أخي، ما هو إلا ما رأيت، إلا خصيلة واحدة. قال: وما تلك الخصيلة؟ قالت: إني إن كنت في شدة لم أتمن أني كنت في رخاء، وإن كنت جائعة لم أتمن أني كنت شبعانة، وإن كنت في شمس لم أتمن أني كنت في فيء، وإن كنت في مرض لم أتمن أني كنت في صحة. فقال: وأي خصيلة هذه؟! والله خصلة يعجز عنها العباد.

(وعن بعض السلف: إن الله تعالى إذا قضى من السماء قضاء أحب من أهل الأرض أن يرضوا بقضائه) كذا في القوت (وقال أبو الدرداء) -رضي الله عنه- (ذروة الإيمان الصبر للحكم والرضا بالقدر) ولفظ القوت: بما قسم الله له. وقد رواه أبو نعيم في الحلية، فقال: حدثنا محمد بن علي بن حبيش، حدثنا موسى بن هارون الحافظ، حدثنا أبو الربيع وداود بن رشيد، قالا: حدثنا بقية، حدثنا يحيى بن سعد، عن خالد بن معدان، حدثني يزيد بن مرثد الهمداني أبو عثمان، عن أبي الدرداء أنه كان يقول: ذروة الإيمان الصبر للحكم، والرضا بالقدر، والإخلاص للتوكل، والاستسلام للرب تعالى. (وقال عمر -رضي الله عنه-: ما أبالي على أي حال أصبحت وأمسيت من شدة أو رخاء) رواه ابن عيينة، عن أبي السواء، عن أبي مجلز قال: قال عمر: ما أبالي على ما أصبحت؟ على ما أحب، أو ما أكره. أي لا أدري الخيرة لي فيما أحب، أو فيما أكره، وقد تقدم. (وقال) جعفر بن سليمان الضبعي: قال سفيان (الثوري) -رحمه الله تعالى- (كنت يوما عند رابعة) العدوية المتوفية سنة 135 (فقلت: اللهم ارض عنا. فقالت: أما تستحي من الله أن تسأله الرضا وأنت عنه غير راض؟! فقال) الثوري: (أستغفر الله) فهي ذكرته بأن رضا الله إنما هو ثمرة رضا العبد عن الله تعالى، فتذكر الثوري ورجع إلى نفسه واستغفر. (فقال) أبو سليمان (جعفر بن سليمان الضبعي) البصري، صدوق زاهد، احتج به مسلم، وروى له البخاري تعليقا والأربعة، مات سنة 178 (فمتى يكون العبد راضيا عن الله تعالى؟ قالت: إذا كان سروره بالمصيبة مثل سروره بالنعمة) كذا في القوت. ولفظ القشيري: وسئلت رابعة: متى يكون العبد راضيا؟ فقالت: إذا سرته المصيبة، كما سرته النعمة. (وكان الفضيل) بن عياض (يقول: إذا استوى عنده المنع والعطاء فقد رضي عن الله تعالى) رواه أبو نعيم في الحلية، (وقال) أبو الحسن (أحمد بن أبي الحواري) عبد الله بن ميمون بن العباس بن الحارث التغلبي الدمشقي، ثقة زاهد، روى له أبو داود وابن ماجه، مات سنة 146 (قال) لي (أبو سليمان الداراني) -رحمه الله تعالى- (إن الله -عز وجل- من كرمه قد رضي من عبيده بما رضي العبيد من مواليهم .

قلت: وكيف ذلك؟ قال: أليس مراد العبد من الخلق أن يرضى عنه مولاه؟ قلت: نعم. قال: فإن محبة الله من عبيده أن يرضوا عنه) نقله صاحب القوت. (وقال سهل) التستري -رحمه الله تعالى- (حظ العبيد بين اليقين على قدر حظهم من الرضا، وحظهم من الرضا على قدر عيشتهم مع الله عز وجل) نقله صاحب القوت. (وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: إن الله -عز وجل- بحكمه وجلاله جعل الروح والفرح في الرضا واليقين، وجعل الغم والحزن في الشك والسخط) . قال صاحب القوت: رواه ابن عطية، عن أبي سعيد الخدري مرفوعا. وقال العراقي: رواه الطبراني من حديث ابن مسعود، وقد تقدم .




الخدمات العلمية