وقد ذم العراق  جماعة كعمر بن عبد العزيز  وكعب الأحبار   . 
وقال  ابن عمر  رضي الله عنهما لمولى له : أين تسكن ؟ فقال : العراق  قال : فما تصنع به ؟ بلغني أن ما من أحد يسكن العراق إلا قيض الله قرينا من البلاء  . 
وذكر  كعب الأحبار  يوما العراق ، فقال : فيه تسعة أعشار الشر ، وفيه الداء العضال  . 
وقد قيل قسم الخير عشرة أجزاء ، فتسعة أعشاره بالشام  ، وعشره بالعراق  ، وقسم الشر عشرة أجزاء على العكس من ذلك . 
وقال بعض أصحاب الحديث : كنا يوما عند  الفضيل بن عياض  فجاءه صوفي متدرع بعباءة فأجلسه إلى جانبه وأقبل عليه ثم قال : أين تسكن فقال : بغداد   . فأعرض عنه وقال : يأتينا أحدهم في زي الرهبان ، فإذا سألناه أين تسكن ؟ قال : في عش الظلمة وكان .  بشر بن الحارث  يقول : مثال المتعبد ببغداد  مثال المتعبد في الحش  . 
وكان يقول : لا تقتدوا بي في المقام بها من أراد أن يخرج فليخرج . 
وكان  أحمد بن حنبل  يقول : لولا تعلق هؤلاء الصبيان بنا كان الخروج من هذا البلد آثر في نفسي . قيل : وأين تختار السكنى ؟ قال : بالثغور  . 
وقال بعضهم وقد سئل عن أهل بغداد :  زاهدهم زاهد ، وشريرهم شرير . 
فهذا يدل على أن من بلي ببلدة تكثر فيها المعاصي ويقل فيها الخير فلا عذر له في المقام بها  ، بل ينبغي أن يهاجر قال الله تعالى : ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها  فإن منعه عن ذلك عيال أو علاقة ، فلا ينبغي أن يكون راضيا بحاله مطمئن النفس إليه ، بل ينبغي أن يكون منزعج القلب منها قائلا على الدوام : ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها   . وذلك لأن الظلم إذا عم نزل البلاء ودمر الجميع ، وشمل المطيعين  ، قال الله تعالى : واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة  فإذا ليس في شيء من أسباب نقص الدين البتة رضا مطلق إلا من حيث إضافتها إلى فعل الله تعالى ، فأما هي في نفسها فلا وجه للرضا بها بحال . 
وقد اختلف العلماء في الأفضل من أهل المقامات الثلاث رجل يحب الموت شوقا إلى لقاء الله تعالى ، ورجل يحب البقاء لخدمة المولى ، ورجل قال : لا أختار شيئا ، بل أرضى بما اختاره الله تعالى  ورفعت هذه المسألة إلى بعض العارفين فقال : صاحب الرضا أفضلهم ؛ لأنه أقلهم فضولا . 
واجتمع ذات يوم وهيب بن الورد  وسفيان الثوري  ، ويوسف بن أسباط  فقال  الثوري  كنت أكره موت الفجأة قبل اليوم ، واليوم وددت أني مت . فقال له يوسف لم ؟ قال : لما أتخوف من الفتنة . فقال يوسف : لكني لا أكره طول البقاء . فقال سفيان   : لم قال : لعلي أصادف يوما أتوب فيه وأعمل صالحا . فقيل لوهيب  أيش : تقول أنت ؟ فقال : أنا لا أختار شيئا . أحب ذلك إلي أحبه إلى الله سبحانه وتعالى فقبله  الثوري  بين عينيه وقال : روحانية ورب الكعبة  . 
     	
		
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					