بيان جملة من حكايات المحبين وأقوالهم ومكاشفاتهم   . 
قيل لبعض العارفين : إنك محب ؟ فقال : لست محبا ، إنما أنا محبوب ، والمحب متعوب . 
وقيل له أيضا : الناس يقولون إنك واحد من السبعة فقال : أنا كل السبعة وكان يقول : إذا رأيتموني فقد رأيتم أربعين بدلا . قيل : وكيف وأنت شخص واحد ؟ قال : لأني رأيت أربعين بدلا ، وأخذت من كل بدل خلقا من أخلاقه . 
وقيل له : بلغنا أنك ترى الخضر  عليه السلام : فتبسم وقال : ليس العجب ممن يرى الخضر ،  ولكن العجب ممن يريد الخضر أن يراه فيحتجب عنه وحكي عن الخضر  عليه السلام : أنه قال : ما حدثت نفسي يوما قط أنه لم يبق ولي لله تعالى إلا عرفته ، إلا ورأيت في ذلك اليوم وليا لم أعرفه . 
وقيل لأبي يزيد البسطامي  مرة : حدثنا عن مشاهدتك من الله تعالى . فصاح ثم قال ويلكم : ! لا يصلح لكم أن تعلموا ذلك قيل : فحدثنا بأشد مجاهدتك لنفسك في الله تعالى . فقال : وهذا أيضا لا يجوز أن أطلعكم عليه . 
قيل : فحدثنا عن رياضة نفسك في بدايتك فقال : نعم ، دعوت نفسي إلى الله فجمحت علي فعزمت عليها أن لا أشرب الماء سنة ولا أذوق النوم سنة فوفت لي بذلك  . 
ويحكى عن يحيى بن معاذ  أنه رأى أبا يزيد في بعض مشاهداته من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر مستوفزا على صدور قدميه ، رافعا أخمصيه مع عقبيه عن الأرض ، ضاربا بذقنه على صدره ، شاخصا بعينيه لا يطرف ، قال : ثم سجد عند السحر فأطاله ثم قعد فقال : اللهم إن قوما طلبوك فأعطيتهم المشي على الماء والمشي في الهواء فرضوا بذلك وإني أعوذ بك من ذلك ، وإن قوما طلبوك فأعطيتهم طي الأرض فرضوا بذلك وإني أعوذ بك من ذلك ، وإن قوما طلبوك فأعطيتهم كنوز الأرض فرضوا بذلك وإني أعوذ بك من ذلك . حتى عد نيفا وعشرين مقاما من كرامات الأولياء ثم التفت فرآني ، فقال : يحيى قلت : نعم يا سيدي . فقال منذ : متى أنت ههنا قلت . : منذ حين . فسكت فقلت : يا سيدي ، حدثني بشيء فقال : أحدثك بما يصلح لك أدخلني في الفلك الأسفل فدورني في الملكوت السفلى وأراني الأرضين وما تحتها إلى الثرى ، ثم أدخلني في الفلك العلوي فطوف بي في السموات وأراني ما فيها من الجنان إلى العرش ، أوقفني بين يديه ، فقال : سلني أي شيء رأيت حتى أهبه لك . فقلت : يا سيدي ، ما رأيت شيئا استحسنته فأسألك إياه فقال : أنت : عبدي حقا ، تعبدني لأجلي صدقا ، لأفعلن بك ولأفعلن ، فذكر أشياء . 
قال يحيى : فهالني ذلك وامتلأت به وعجبت منه ، فقلت : يا سيدي ، لم لا سألته المعرفة به ، وقد قال لك ملك الملوك سلني ما شئت ؟ قال : فصاح بي صيحة وقال : اسكت ، ويلك غرت عليه مني حتى لا أحب أن يعرفه سواه  . 
وحكي أن أبا تراب النخشبي  كان معجبا ببعض المريدين فكان يدنيه ويقوم بمصالحه ، والمريد مشغول بعبادته ومواجدته فقال له أبو تراب يوما : لو رأيت أبا يزيد فقال إني عنه مشغول فلما أكثر عليه أبو تراب من قوله : لو رأيت أبا يزيد ، هاج وجد المريد فقال : ويحك ! ما أصنع بأبي يزيد ؟ قد رأيت الله تعالى فأغناني عن أبي يزيد قال أبو تراب : فهاج طبعي ولم أملك نفسي ، فقلت : ويلك ! تغتر بالله عز وجل لو رأيت أبا يزيد مرة واحدة كان أنفع لك من أن ترى الله سبعين مرة قال فبهت الفتى من قوله وأنكره فقال : وكيف ذلك ؟ قال له : ويلك ! أما ترى الله تعالى عندك فيظهر لك على مقدارك ، وترى أبا يزيد عند الله قد ظهر له على مقداره ؟! فعرف ما قلت فقال : احملني إليه . فذكر قصة قال في آخرها : فوقفنا على تل تنتظره ليخرج إلينا من الغيضة ، وكان يأوي إلى غيضة فيها سباع قال : فمر بنا ، وقد قلب فروة على ظهره ، فقلت للفتى : هذا أبو يزيد ، فانظر إليه . فنظر إليه الفتى فصعق فحركناه ، فإذا هو ميت فتعاونا على دفنه ، فقلت لأبي يزيد : يا سيدي نظره إليك قتله . قال : لا ، ولكن كان صاحبكم صادقا واستكن في قلبه سر لم ينكشف له بوصفه ، فلما رآنا انكشف له سر قلبه فضاق عن حمله ؛ لأنه في مقام الضعفاء المريدين فقتله ذلك  . 
ولما دخل الزنج  البصرة  فقتلوا الأنفس ونهبوا الأموال اجتمع إلى سهل  إخوانه فقالوا : لو سألت الله تعالى دفعهم فسكت ثم قال : إن لله عبادا في هذه البلدة لو دعوا على الظالمين لم يصبح على وجه الأرض ظالم  إلا مات في ليلة واحدة ، ولكن لا يفعلون قيل : لم ؟ قال : لأنهم لا يحبون ما لا يحب . ثم ذكر من إجابة الله تعالى أشياء لا يستطاع ذكرها حتى قال : ولو سألوه أن لا يقيم الساعة لم يقمها  . 
وهذه أمور ممكنة في أنفسها ، فمن لم يحظ بشيء منها فلا ينبغي أن يخلو عن التصديق والإيمان بإمكانها ، فإن القدرة واسعة والفضل عميم ، وعجائب الملك والملكوت كثيرة ، ومقدورات الله تعالى لا نهاية لها ، وفضله على عباده الذين اصطفى لا غاية له   . 
ولذلك كان أبو يزيد  يقول : إن أعطاك مناجاة موسى  وروحانية عيسى  وخلة إبراهيم  فاطلب ما وراء ذلك ، فإن عنده فوق ذلك أضعافا مضاعفة فإن سكنت إلى ذلك حجبك به وهذا بلاء مثلهم ، ومن هو في مثل حالهم ؛ لأنهم الأمثل فالأمثل . 
وقد قال بعض العارفين : كوشفت بأربعين حوراء رأيتهن يتساعين في الهواء عليهن ثياب من ذهب وفضة وجوهر يتخشخش ويتثنى معهن ، فنظرت إليهن نظرة فعوقبت أربعين يوما ثم كوشفت بعد ذلك بثمانين حوراء فوقهن في الحسن والجمال وقيل لي : انظر إليهن . قال : فسجدت وغمضت عيني في سجودي لئلا أنظر إليهن ، وقلت : أعوذ بك مما سواك ، لا حاجة لي بهذا . فلم أزل أتضرع حتى صرفهن الله عني . 
فأمثال هذه المكاشفات لا ينبغي أن ينكرها المؤمن  لإفلاسه عن مثلها فلو لم يؤمن كل واحد إلا بما يشاهده من نفسه المظلمة وقلبه القاسي لضاق مجال الإيمان عليه ، بل هذه أحوال تظهر بعد مجاوزة عقبات ونيل مقامات كثيرة ، أدناها الإخلاص ، وإخراج حظوظ النفس ، وملاحظة الخلق عن جميع الأعمال ظاهرا وباطنا ، ثم مكاتمة ذلك عن الخلق بستر الحال حتى يبقى متحصنا بحصن الخمول ، فهذه أوائل سلوكهم وأقل مقاماتهم ، وهي أعز موجود في الأتقياء من الناس . 
     	
		
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					