بيان فضيلة الزهد .
قال الله تعالى فخرج على قومه في زينته إلى قوله .
تعالى : وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وقال تعالى : فنسب الزهد إلى العلماء ووصف أهله بالعلم وهو غاية الثناء أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا وجاء في التفسير على الزهد في الدنيا وقال : عز وجل : إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا قيل معناه : أيهم أزهد فيها فوصف الزهد بأنه من أحسن الأعمال ، وقال تعالى : من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب وقال تعالى : ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى وقال تعالى : الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة فوصف الكفار بذلك فمفهومه أن المؤمن هو الذي يتصف بنقيضه وهو أن يستحب الآخرة على الحياة الدنيا .
وأما الأخبار فما ورد منها في ذم الدنيا كثير ، وقد أوردنا بعضها في كتاب ذم الدنيا مع ربع المهلكات ، إذ حب الدنيا من المهلكات ونحن الآن نقتصر على ، فإنه من المنجيات وهو المعني بالزهد وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فضيلة بغض الدنيا : من أصبح وهمه الدنيا شتت الله عليه أمره ، وفرق عليه ضيعته وجعل فقره بين عينيه ، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له ، ومن أصبح وهمه الآخرة جمع الله له همه ، وحفظ عليه ضيعته ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة وقال : صلى الله عليه وسلم : إذا رأيتم العبد وقد أعطي صمتا وزهدا في الدنيا فاقتربوا منه ، فإنه يلقى الحكمة وقال تعالى : ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ولذلك قيل : من زهد في الدنيا أربعين يوما أجرى الله ينابيع الحكمة في قلبه ، وأنطق بها لسانه وعن بعض الصحابة أنه قال قلنا يا رسول الله أي الناس خير ؟ قال : كل مؤمن محموم القلب صدوق اللسان ، قلنا : يا رسول الله ، وما محموم القلب ؟ قال : التقي النقي الذي لا غل فيه ، ولا غش ، ولا بغي ، ولا حسد قلنا : يا رسول الله فمن على أثره ؟ قال : الذي يشنأ الدنيا ويحب الآخرة ومفهوم هذا أن . شر الناس الذي يحب الدنيا
وقال صلى الله عليه وسلم : إن أردت أن يحبك الله فازهد في الدنيا فجعل الزهد سببا للمحبة فمن أحبه الله تعالى فهو في أعلى الدرجات فينبغي أن يكون ومفهومه أيضا أن محب الدنيا متعرض لبغض الله تعالى وفي خبر من طريق أهل البيت الزهد والورع يجولان في القلوب كل ليلة ، فإن صادفا قلبا فيه الإيمان والحياء أقاما فيه وإلا ارتحلا الزهد في الدنيا من أفضل المقامات ولما قال حارثة لرسول الله : صلى الله عليه وسلم : أنا مؤمن حقا ، قال : وما حقيقة إيمانك قال : عزفت نفسي عن الدنيا فاستوى عندي حجرها وذهبها وكأني بالجنة والنار وكأني بعرش ربي بارزا فقال : صلى الله عليه وسلم عرفت : فالزم ، عبد نور الله قلبه بالإيمان . فانظر كيف بدأ في إظهار حقيقة الإيمان بعزوف النفس عن الدنيا وقرنه باليقين وكيف زكاه رسول الله : صلى الله عليه وسلم : إذ قال : عبد نور الله قلبه بالإيمان .