فكله عدل محض لا جور فيه ، وحق صرف لا ظلم فيه ، بل هو على الترتيب الواجب الحق على ما ينبغي وكما ينبغي بالقدر الذي ينبغي وليس في الإمكان أصلا أحسن منه ولا أتم ولا أكمل ، ولو كان وادخره مع القدرة ولم يتفضل بفعله لكان بخلا يناقض الجود وظلما يناقض العدل ولو لم يكن قادرا لكان عجزا يناقض الإلهية بل كل فقر وضر في الدنيا فهو نقصان من الدنيا وزيادة في الآخرة وكل نقص في الآخرة بالإضافة إلى شخص فهو نعيم بالإضافة إلى غيره إذ لولا الليل لما عرف قدر النهار ولولا المرض لما تنعم الأصحاء بالصحة ولولا النار لما عرف أهل الجنة قدر النعمة وكما أن فداء أرواح الإنس بأرواح البهائم وتسليطهم على ذبحها ليس بظلم بل تقديم الكامل على الناقص عين العدل فكذلك تفخيم النعم على سكان الجنان بتعظيم العقوبة على أهل النيران وفداء . وكل ما قسم الله تعالى بين عباده من رزق وأجل وسرور وحزن وعجز وقدرة وإيمان وكفر وطاعة ومعصية
أهل الإيمان بأهل الكفران عين العدل وما لم يخلق الناقص لا يعرف الكامل ، ولولا خلق البهائم لما ظهر شرف الإنس ، فإن الكمال والنقص يظهر بالإضافة فمقتضى الجود والحكمة خلق الكامل والناقص جميعا وكما أن قطع اليد إذا تآكلت إبقاء على الروح عدل ؛ لأنه فداء كامل بناقص فكذلك الأمر في التفاوت الذي بين الخلق في القسمة في الدنيا والآخرة فكل ذلك عدل لا جور فيه وحق لا لعب فيه وهذا الآن بحر آخر عظيم العمق واسع الأطراف مضطرب الأمواج قريب في السعة من بحر التوحيد فيه غرق طوائف من القاصرين ولم يعلموا أن ذلك غامض لا يعقله إلا العالمون ووراء هذا البحر سر القدر الذي تحير فيه الأكثرون ومنع من إفشاء سره المكاشفون .