الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وقال مالك بن دينار بينما أنا أطوف بالبيت ؛ ؛ إذ أنا بجويرية متعبدة متعلقة بأستار الكعبة وهي تقول : يا رب كم شهوة ذهبت لذاتها وبقيت تبعاتها ، يا رب أما كان لك أدب وعقوبة إلا النار ؟ ؟ وتبكي فما زال ذلك مقامها حتى طلع الفجر ، قال مالك فلما رأيت ذلك وضعت يدي على رأسي صارخا أقول : ثكلت مالكا أمه .

وروي أن الفضيل رئي يوم عرفة والناس يدعون وهو يبكي بكاء الثكلى المحترقة حتى إذا كادت الشمس تغرب قبض على لحيته ثم رفع رأسه إلى السماء وقال : واسوأتاه منك وإن غفرت ثم انقلب مع الناس .

وسئل ابن عباس رضي الله عنهما عن الخائفين فقال قلوبهم بالخوف فرحة وأعينهم باكية يقولون : كيف نفرح والموت من ورائنا والقبر أمامنا والقيامة موعدنا وعلى جهنم طريقنا وبين يدي الله ربنا موقفنا .

ومر الحسن بشاب وهو مستغرق في ضحكه وهو جالس مع قوم في مجلس فقال له الحسن : يا فتى ، هل مررت بالصراط ؟ قال : لا ، قال : فهل تدري إلى الجنة تصير أم إلى النار ؟ قال : لا ، قال : فما هذا الضحك ؟ قال : فما رئي ذلك الفتى بعدها ضاحكا .

وكان حماد بن عبد ربه إذا جلس جلس مستوفزا على قدميه فيقال له اطمأننت فيقول تلك جلسة الآمن ، وأنا غير آمن إذ عصيت الله تعالى .

وقال عمر بن عبد العزيز إنما جعل الله هذه الغفلة في قلوب العباد رحمة كيلا يموتوا من خشية الله تعالى .

وقال مالك بن دينار قد هممت إذا أنا مت آمرهم أن يقيدوني ويغلوني ثم ينطلقوا بي إلى ربي كما ينطلق بالعبد الآبق إلى سيده .

وقال حاتم الأصم لا تغتر بموضع صالح فلا مكان أصلح من الجنة ، وقد لقي آدم عليه السلام فيهما ما لقي ولا تغتر بكثرة العبادة فإن إبليس بعد طول تعبده لقي ما لقي ولا تغتر بكثرة العلم فإن بلعام كان يحسن اسم الله الأعظم فانظر ماذا لقي ولا تغتر برؤية الصالحين فلا شخص أكبر منزلة عند الله من المصطفى صلى الله عليه وسلم ولم ينتفع بلقائه أقاربه وأعداؤه .

وقال السري إني لأنظر إلى أنفي كل يوم مرات مخافة أن يكون قد اسود وجهي .

وقال أبو حفص منذ أربعين سنة اعتقادي في نفسي أن الله ينظر إلي نظر السخط وأعمالي تدل على ذلك .

وخرج ابن المبارك يوما على أصحابه فقال : إني اجترأت البارحة على الله سألته الجنة .

وقالت أم محمد بن كعب القرظي لابنها يا بني ، إني أعرفك صغيرا طيبا وكبيرا طيبا وكأنك أحدثت حدثا موبقا لما أراك تصنع في ليلك ونهارك فقال يا أماه ، ما يؤمنني أن يكون الله تعالى قد اطلع علي وأنا على بعض ذنوبي فمقتني وقال : وعزتي وجلالي لا غفرت لك .

وقال الفضيل إني لا أغبط نبيا مرسلا ولا ملكا مقربا ولا عبدا صالحا ، أليس هؤلاء يعاينون يوم القيامة إنما أغبط من لم يخلق .

وروي أن فتى من الأنصار دخلته خشية النار فكان يبكي حتى حبسه ذلك في البيت فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فدخل عليه واعتنقه فخر ميتا فقال صلى الله عليه وسلم : جهزوا صاحبكم ، فإن الفرق من النار فتت كبده .

وروي عن ابن أبي ميسرة أنه كان إذا أوى إلى فراشه يقول : يا ليت أمي لم تلدني ، فقالت له أمه يا ميسرة ، إن الله تعالى قد أحسن إليك هداك ، إلى الإسلام قال : أجل ، ولكن الله قد بين لنا أنا واردو النار ولم يبين لنا أنا صادرون عنها .

وقيل : لفرقد السبخي أخبرنا بأعجب شيء بلغك عن إسرائيل ، فقال بلغني أنه دخل بيت المقدس خمسمائة عذراء لباسهن الصوف والمسوح فتذاكرن ثواب الله وعقابه فمتن جميعا في يوم واحد .

وكان عطاء السلمي من الخائفين ولم يكن يسأل الله الجنة أبدا إنما كان يسأل الله العفو وقيل له في مرضه : ألا تشتهي شيئا ، فقال : إن خوف جهنم لم يدع في قلبي موضعا للشهوة : ويقال : أنه ما رفع رأسه إلى السماء ولا ضحك أربعين سنة .

وأنه رفع رأسه يوما ففزع فسقط فانفتق في بطنه فتق وكان يمس جسده في بعض الليل مخافة أن يكون قد مسخ .

وكان إذا أصابتهم ريح أو برق أو غلاء طعام قال : هذا من أجلي يصيبهم لو مات عطاء لاستراح الناس .

وقال عطاء : خرجنا مع عتبة الغلام وفينا كهول وشبان يصلون صلاة الفجر بطهور العشاء قد تورمت أقدامهم من طول القيام وغارت أعينهم في رءوسهم ولصقت جلودهم على عظامهم وبقيت العروق كأنها الأوتار يصبحون كأن جلودهم قشور البطيخ وكأنهم قد خرجوا من القبور يخبرون كيف أكرم الله المطيعين وكيف أهان العاصين فبينما هم يمشون إذ مر أحد بمكان فخر مغشيا عليه فجلس أصحابه حوله يبكون في يوم شديد البرد وجبينه يرشح عرقا فجاءوا بماء فمسحوا وجهه فأفاق وسألوه عن أمره فقال : إني ذكرت أني كنت عصيت الله في ذلك المكان .

وقال صالح المري قرأت على رجل من المتعبدين يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا فصعق ثم أفاق فقال : زدني يا صالح ، فإني أجد غما فقرأت كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها فخر ميتا .

التالي السابق


(وقال) أبو محمد (مالك بن دينار) البصري - رحمه الله تعالى -: (بينما أنا أطوف بالبيت؛ إذ أنا بجويرية) أي: صبية (متعبدة وهي متعلقة بأستار الكعبة وهي تقول: يا رب كم شهوة ذهبت لذاتها وبقيت تبعاتها، يا رب أما كان لك أدب وعقوبة إلا النار؟ وتبكي فما زال ذلك مقامها حتى طلع الفجر، قال مالك فلما رأيت ذلك وضعت يدي على رأسي صارخا أقول: ثكلت مالكا أمه) أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب الخائفين .

(وروي أن الفضيل) بن عياض - رحمه الله تعالى - (رئي يوم عرفة والناس يدعون وهو يبكي بكاء الثكلى المحترقة حتى إذا كادت الشمس تغرب قبض على لحيته ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: واسوأتاه منك إن غفرت ثم انقلب مع الناس) أخرجه أبو نعيم في الحلية فقال: حدثنا محمد بن إبراهيم، حدثنا الفضل بن محمد الجندي، حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال: وقفت مع الفضيل بن عياض بعرفات فلم أسمع من دعائه شيئا إلا أنه واضع يده اليمنى على خده وواضع رأسه يبكي بكاء خفيا فلم يزل كذلك حتى أفاض الإمام فرفع رأسه إلى السماء وقال: واسوأتاه والله منك إن عفوت، ثلاث مرات.

(وسئل ابن عباس - رضي الله عنه - عن الخائفين) أي: عن وصفهم (فقال) هم الذين (قلوبهم بالخوف فرحة وأعينهم) منه (باكية يقولون: كيف نفرح والموت من ورائنا والقبر والقيامة موعدنا وعلى جهنم طريقنا وبين يدي الله ربنا موقفنا) ، وهذا منه - رضي الله عنه - بيان عن الخائفين من صفاته .

(ومر الحسن البصري - رحمه الله تعالى - بشاب وهو مستغرق في ضحكه وهو جالس مع قوم في مجلس فقال له الحسن: يا فتى، هل مررت بالصراط؟ قال: لا، قال: فهل تدري إلى الجنة تصير أم إلى النار؟ قال: لا، [ ص: 253 ] قال: فما هذا الضحك؟ قال: فما رئي ذلك الفتى بعدها ضاحكا) نقله صاحب القوت .

(وكان حماد بن عبد ربه إذا جلس جلس مستوفزا على قدميه فيقال له لو اطمأننت فيقول تلك جلسة الآمن، وأنا غير آمن إذا عصيت الله تعالى، وقال عمر بن عبد العزيز) - رحمه الله تعالى - (إنما جعل الله هذه الغفلة في قلوب العباد كيلا يموتوا من خشية الله تعالى) أخرجه أبو نعيم في الحلية (وقال) أبو يحيى (مالك بن دينار) البصري - رحمه الله تعالى - (لقد هممت إذا أنا مت آمرهم أن يقيدوني ويغلوني ثم ينطلقوا بي إلى ربي كما ينطلق العبد الآبق إلى سيده) ، ولفظ الحلية: لقد هممت أن آمر إذا مت فأغل وأدفع إلى ربي مغلولا كما يدفع العبد الآبق إلى مولاه، رواه عن أبي بكر بن مالك عن عبد الله بن أحمد حدثني عبد الله بن عمر القواريري، حدثنا جعفر بن سليمان قال: قال مالك بن دينار فساقه .

(وقال حاتم) بن علوان (الأصم) - رحمه الله تعالى - (لا تعتبر بموضع صالح فلا مكان أصلح من الجنة، وقد لقي آدم - عليه السلام - فيها ما لقي) أي: من الهبوط منها والبعد عن حظيرتها بسبب المخالفة، (ولا تغتر بكثرة العبادة فإن إبليس بعد طول تعبده) حتى كان يلقب بطاوس الملائكة (لقي ما لقي) من اللعن والطرد بسبب الكبر، (ولا تغتر بكثرة العلم فإن بلعام) بن باعوراء من علماء بني إسرائيل (كان يحسن اسم الله الأعظم) هذا هو المشهور وقال بعضهم: بل كان أوتي النبوة (فانظر ماذا لقي) من الانسلاخ عن الآيات، فكان علمه سبب هلاكه كما قال تعالى آتيناه آياتنا فانسلخ منها (ولا تغتر برؤية الصالحين فلا شخص أكبر منزلة عند الله تعالى من المصطفى - صلى الله عليه وسلم - و) مع ذلك (لم ينتفع بلقائه أقاربه وأعداؤه) مع كمال قربهم إليه، نقله القشيري في الرسالة .

(وقال السري) بن المفلس السقطي - رحمه الله تعالى -: (إني لأنظر إلى أنفي كل يوم مرات مخافة أن يكون قد اسود وجهي) نقله القشيري في الرسالة بلفظ: كذا وكذا مرة مخافة أن يكون قد اسود لما أخافه من العقوبة، هكذا أورده في باب الخوف، وذكر في ترجمته من أول الكتاب بلفظ: مخافة أن يكون قد اسود، خوفا من الله أن يسود صورتي لما أتعاطاه، وإنما خص الأنف; لأن الشخص لا يرى من وجهه غير أنفه .

(وقال أبو حفص) عمر بن مسلم الحداد - رحمه الله تعالى - نيسابوري من كبار الأئمة ترجم له القشيري في الرسالة وقال: مات سنة نيف وستين ومائتين (منذ أربعين سنة اعتقادي في نفسي أن الله ينظر إلي نظر السخط) والمقت (وأعمالي تدل على ذلك) أي: لكثرة الغفلات ولسوء الأدب في المعاملة مع الله تعالى ومع الخلق، نقله القشيري في الرسالة. (وخرج) عبد الله (بن المبارك) - رحمه الله تعالى - (يوما على أصحابه فقال لهم: إني اجترأت البارحة) على الله حيث (سألته الجنة) ، وأنا حقير في نفسي ولا تصلح أحوالي لسؤالها، وكان حقي أستعيذ من النار، نقله القشيري في الرسالة .

(وقالت أم محمد بن كعب) ابن سليم بن عمر بن إياس بن حيان بن قرظة (القرظي) المدني من حلفاء الأوس وكان أبوه من سبي قريظة، سكن الكوفة ثم تحول إلى المدينة فسكنها قال ابن سعد: كان ثقة عالما كثير الحديث ورعا مات سنة ثمان ومائة روى له الجماعة (لابنها) المذكور (يا بني، إني أعرفك صغيرا طيبا وكبيرا طيبا وكأنك أحدثت موبقا) أي: أذنبت ذنبا مهلكا (لما أراك تصنع في ليلك ونهارك) أي: من الاجتهاد في العبادة والبكاء من الخوف (فقال) محمد: (يا أماه، ما يؤمنني أن يكون الله تعالى قد اطلع علي وأنا على بعض ذنوبي فمقتني وقال: وعزتي لا غفرت لك) رواه أبو نعيم في الحلية من طريق أبي كثير البصري قال: قالت أم محمد بن كعب لمحمد: يا بني، لولا إني أعرفك صغيرا طيبا وكبيرا طيبا لظننت أنك أذنبت ذنبا موبقا لما أراك تصنع بنفسك بالليل والنهار، قال: يا أمتاه، ما يؤمنني أن يكون الله - عز وجل - اطلع علي وأنا في بعض ذنوبي فمقتني وقال: اذهب لا أغفر لك مع أن عجائب القرآن ترد بي على أمور حتى أنه ليتقضى الليل ولم أفرغ من حاجتي.

(وقال الفضيل) بن عياض - رحمه الله تعالى -: (إني لا أغبط نبيا مرسلا ولا ملكا مقربا ولا عبدا [ ص: 254 ] صالحا، أليس هؤلاء يعاينون يوم القيامة) أي: يشاهدون أهوالها (إنما أغبط من لم يخلق) .

قال أبو نعيم في الحلية: حدثنا أبو محمد بن حيان، حدثنا أحمد بن الحسين، حدثنا أحمد بن إبراهيم حدثني محمد بن عيسى عن فضيل بن عياض قال: ما أغبط ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا يعاين القيامة وأهوالها ما أغبط إلا من لم يكن شيئا.

(وروي أن فتى من الأنصار دخلته خشية النار فكان يبكي حتى حبسه ذلك في البيت) أي: عن حضور الجماعة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فدخل عليه واعتنقه) فكشف له عن الحجاب الذي بينه وبين الله تعالى فلم يحتمله، (فخر ميتا فقال - صلى الله عليه وسلم -: جهزوا صاحبكم، فإن الفرق من النار) أي: الخوف منها (فتت كبده) .

قال العراقي: رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الخائفين من حديث حذيفة، والبيهقي في الشعب من حديث سهل بن سعد بإسنادين فيهما نظر. (وروي عن ميسرة) بن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل الهمداني الكوفي (أنه كان إذا أوى إلى فراشه يقول: يا ليت أمي لم تلدني، فقالت له أمه) حين سمعت منه ذلك مرارا (يا ميسرة، إن الله تعالى قد أحسن إليك) حيث (هداك للإسلام، قال: أجل، ولكن الله قد بين لنا أنا واردو النار) وهو قوله تعالى: وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا (ولم يبين لنا أنا صادرون عنها) أي: فهذا سبب خوفي منها.

(وقيل: لفرقد) بن يعقوب (السبخي) بفتح المهملة والموحدة وبخاء معجمة بصري صدوق في حديثه لين، مات سنة إحدى وثلاثين، روى له الترمذي وابن ماجه (أخبرنا) يا أبا يعقوب (بأعجب شيء بلغك عن إسرائيل، قال: بلغني أنه دخل بيت المقدس خمسمائة عذراء لباسهن الصوف والمسوح) يتعبدون الله - عز وجل - (فتذاكرن ثواب الله وعقابه فمتن جميعا في يوم واحد) أي: غلب عليهن الخوف ففتت كبدهن فمتن، وهكذا شأن الخوف إذا أفاض من القلب إلى الكبد.

(وكان عطاء السليمي) بفتح المهملة وكسر اللام نسبة إلى سليمة بن مالك ابن فهم بطن من الأزد، زاهد مشهور، ويقال له العبدي أيضا (من الخائفين) المشهورين بالخوف حتى يقال: إنه نسي القرآن من الخوف، وكان إذا رأى تنورا يسجر يسقط مغشيا عليه من الخوف، وإذا فرغ من وضوئه ارتعد وبكى شديدا، وكان لدموعه حوله أثر البلل كأنه أثر الوضوء (ولم يكن يسأل الله الجنة أبدا إنما كان يسأل العفو) . رواه صاحب الحلية من طريق أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان يقول: كان عطاء السليمي قد اشتد خوفه وكان لا يسأل الله أبدا الجنة فإذا ذكرت عنده قال: نسأل الله العفو (وقيل له في مرضه: ألا تشتهي شيئا، فقال: إن خوف جهنم لم يدع في قلبي موضعا للشهوة) نقله صاحب القوت .

وروى صاحب الحلية من طريق مسكين أبي فاطمة عن صالح المري قال: قلت: لعطاء السليمي إنك قد ضعفت فلو صنعنا لك سويقا وتكلفناه، فقال: يا أبا بشر، إني إذا ذكرت النار لم أبتغه، وفي رواية: إذا أردت أن أشربه ذكرت هذه الآية: يتجرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وفي رواية: قال لي صالح: يا شيخ قد خدعك إبليس، قال فقال لي: ويحك يا صالح، إني والله إذا ذكرت جهنم ما يسيغني طعام ولا شراب قال قلت: أنت والله في واد لا عاتبتك في هذا أبدا (ويقال: إنه ما رفع رأسه إلى السماء ولا ضحك أربعين سنة وأنه رفع رأسه يوما فسقط فانفتق في بطنه فتق) رواه أبو نعيم في الحلية من طريق عبد الله بن عبيدة قال: سمعت غفيرة - وكانت متعبدة قد ذهب بصرها من البكاء - تقول: لم يرفع عطاء رأسه إلى السماء ولم يضحك أربعين سنة فرفع رأسه مرة فسقط ففتق فتقا في بطنه (وكان يمس جسده في بعض الليل مخافة أن يكون قد مسخ) .

رواه كذلك من الطريق المذكورة عن خزيمة بن زرعة، حدثنا محمد بن كثير عن إبراهيم بن آدم قال: كان عطاء يمس جسده بالليل خوفا من ذنوبه أن يكون قد مسخ، (وكان إذا أصابتهم ريح أو برق أو غلا طعام قال: هذا من أجلي يصيبهم لو مات عطاء لاستراح الناس) رواه عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد من الطريق المذكورة عن يحيى بن راشد، حدثنا مرجان ابن وداع الراسبي قال: كان عطاء إذا هبت ريح وبرق ورعد قال: من أجلي يصيبكم لو مات عطاء لاستراح [ ص: 255 ] الناس، قال: وكنا ندخل على عطاء فإذا قلنا له زاد الطعام، قال: هذا من أجلي يصيبكم، لو مت أنا لاستراح الناس، ورواه صاحب الحلية من طريق أحمد بن إسحاق الحضرمي، حدثنا إبراهيم بن يعقوب قال: كان عطاء السليمي إذا سمع صوت الرعد قام وقعد وأخذ ببطنه كأنه امرأة ماخض، ويقول: قد كنت أرجو أن أموت قبل أن يجيء الشتاء، (وقال عطاء السليمي: خرجنا مع عتبة) بن أبان (الغلام) نسير (وفينا كهول وشبان يصلون صلاة الفجر بطهور العشاء قد تورمت أقدامهم من طول القيام وغارت أعينهم في رءوسهم ولصقت جلودهم على عظامهم وبقيت العروق كأنها الأوتار يصبحون كأن جلودهم قشور البطيخ وكأنهم قد أخرجوا من القبور يخبرون كيف أكرم الله المطيعين وكيف أهان العاصين فبينما هم يمشون إذ مر) عتبة (بمكان) هناك (فخر مغشيا عليه فجلس أصحابه حوله يبكون في يوم شديد البرد وجبينه يرشح عرقا فجيء بماء فمسحوا وجهه فأفاق وسألوه عن أمره فقال: إني ذكرت أني قد عصيت الله) - عز وجل - (في ذلك المكان) .

ورواه أبو نعيم في الحلية أخصر منه قال: حدثنا أحمد بن بندار، حدثنا جعفر بن أحمد، حدثنا إبراهيم بن عبد الله الجيلي، حدثني محمد بن الحسين، حدثنا عبيد الله بن محمد بن حفص التيمي حدثني أبو حسن بن اليسع قال: لقي عبد الواحد بن زيد عتبة الغلام في رحبة العصابين في يوم شات شديد البرد، فإذا هو يرفض عرقا، فقال له عبد الواحد: عتبة، قال: نعم، قال: فما شأنك، ما لك تعرق في مثل هذا اليوم؟ قال: خير، قال: لتخبرني، قال: خير، قال: فقال: للأنس الذي بيني وبينك والإخاء إلا ما أخبرتني، قال: إني والله ذكرت ذنبا أصبته في هذا المكان، فهذا الذي رأيت من أجل ذلك، (وقال) أبو بشر (صالح) بن بشر (المري) - رحمه الله تعالى - (قرأت على رجل من المتعبدين) يوما قوله تعالى: ( يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا ) إلى آخره، (فصعق ثم أفاق فقال: زدني يا صالح، فإني أجد غما فقرأت) عليه قوله تعالى: ( كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها ) الآية، (فخر ميتا) ، وهذا من شدة الخوف الذي غلب على القلب فاض منه إلى المرارة فانشقت ومات .




الخدمات العلمية