الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 230 ] 112 - باب بيان مشكل ما روي عنه في أمر الرجلين اللذين كانا اختصما إليه في أشياء قد كان تقادم أمرها وذهب من يعرفها أن يقسماها بينهما وأن يحلل كل واحد منهما بعد ذلك صاحبه

755 - حدثنا أبو أمية ، حدثنا قبيصة ، حدثنا سفيان ، عن أسامة بن زيد ، عن عبد الله بن رافع ، عن أم سلمة قالت : { اختصم إلى رسول الله عليه السلام رجلان في أرض قد هلك أهلها وذهب من يعلمها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما أنا بشر ، ولم ينزل علي فيه شيء ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فمن أقطع له قطعة من مال أخيه ظلما جاء يوم القيامة إسطام من نار في وجهه ، فبكى الرجلان وقال كل واحد منهما : يا رسول الله حقي له ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : توخيا ، ثم استهما ثم ليحلل كل واحد منكما صاحبه } .

[ ص: 231 ]

756 - حدثنا يونس ، أخبرنا ابن وهب ، حدثني أسامة أن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة أخبره ، عن أم سلمة { أن رجلين من الأنصار استأذنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن لهما فاختصما إليه في أرض قد تقدم شأنها وهلك من يعرف أمرها ، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما أقضي بينكما بجهد رأيي فيما لم ينزل علي ، وأنا أقضي بينكما على نحو ما أسمع منكما وأيكما كان له في الكلام فضل على صاحبه فقضيت له وأنا أرى أنه حقه وإنما هو من حق أخيه فإنما أقضي له بقطعة من النار يطوقها من سبع أرضين يأتي بها إسطاما في عنقه يوم القيامة ، فلما سمعا ذلك بكيا جميعا ، وقال كل واحد منهما : يا رسول الله حظي له ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اذهبا فاجتهدا في قسم الأرض شطرين ، ثم استهما ، فإذا أخذ كل واحد منكما نصيبه فليحلل أخاه } .

757 - حدثنا يزيد بن سنان ، حدثنا صفوان بن عيسى ، حدثنا أسامة بن زيد ، عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة { عن أم سلمة قالت كنت جالسة عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجلان يختصمان في مواريث وأشياء قد درست ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما أقضي بينكما برأيي مما لم ينزل علي فمن قضيت له بقضية أراها يقطع بها قطعة ظلما فإنما يقطع بها قطعة من نار إسطاما يأتي بها في عنقه يوم القيامة ، فبكى الرجلان وقال كل واحد منهما : يا رسول الله حقي هذا الذي أطلب لصاحبي ، قال : لا ، ولكن اذهبا توخيا ، [ ص: 232 ] ثم استهما ، ثم يحلل كل واحد منكما صاحبه } .

758 - حدثنا يونس ، حدثنا عبد الله بن نافع المدني الصائغ ، حدثني أسامة بن زيد سمعه من عبد الله بن رافع ، عن أم سلمة قالت : { جاء رجلان من الأنصار يختصمان إلى النبي صلى الله عليه وسلم في مواريث بينهما قد درست ليست لهما بينة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما أنا بشر وإنه يأتيني الخصم ولعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض فأقضي له بذلك وأحسب أنه صادق ، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من نار فليأخذها أو فليدعها ، فبكى الرجلان وقال كل واحد منهما : حقي لأخي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما إذ قد فعلتما هذا فاذهبا فاقتسما وتوخيا الحق ثم استهما ، ثم ليحلل كل واحد منكما صاحبه } .

759 - حدثنا ابن مرزوق ، حدثنا عثمان بن عمر بن فارس ، حدثنا [ ص: 233 ] أسامة بن زيد ... ثم ذكر بإسناده مثله .

760 - حدثنا الربيع المرادي ، حدثنا أسد بن موسى ، حدثنا وكيع ، حدثنا أسامة بن زيد ... ثم ذكر بإسناده مثله .

فقال قائل ممن لا علم له بوجوه أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي في هذا الحديث مما أضيف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمر كل واحد من الرجلين المذكورين فيه بعد تقاسمهما ما اختصما إليه فيه بتحليل كل واحد منهما صاحبه من حق إن كان له فيما أخذه صاحبه بحق القسمة محال ؛ لأن التحليل إنما يعمل فيما كان في ذمم المحللين لا فيما كان في أيديهم مما هو عرض أو حصة في عرض ، إلا أن رجلا لو قال لرجل قد حللتك من داري التي لي في يدك أو من عبدي الذي لي في يدك أن ذلك التحليل لا يملك به المحلل شيئا من رقبة تلك الدار ولا من رقبة ذلك العبد ، وهذا مما لا اختلاف فيه ، وكيف يجوز أن تقبلوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد رويتموه في هذا الحديث من أمره كل واحد من الخصمين اللذين اختصما إليه بعد مقاسمته صاحبه بتحليله من حق إن كان له في يده .

فكان جوابنا له : أن التحليل الذي في هذا الحديث لم يرد به رسول الله صلى الله عليه وسلم ما توهمه عليه وإنما أراد به أن الشيء الذي يقتسمانه قد [ ص: 234 ] يكون فيما أخذه أحدهما حق لصاحبه فيكون حراما عليه أخذه ، وحراما عليه الانتفاع به ، وإذا حلله منه حل له الانتفاع به وكان ذلك حراما عليه لو لم يكن ذلك التحليل ، وكان ما هما فيه لا يقدر فيه على تخليص لهما من شيء من أسبابه خلاف ذلك ؛ لأنهما لا يقدران على عقد بيع فيه إذ كان كل واحد منهما لا يدري ما يحاول بيعه من ذلك ، وأن ذلك إذا كان في البيع غير مقدور عليه كان في الهبة والصدقة كذلك أيضا ، وكانت كل واحدة منهما من العمل في ذلك أبعد من عمل البيع فيه وكان المقدور عليه في ذلك التحليل من كونه في يد الذي ليس له الانتفاع به فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمقدور عليه في ذلك ونقلهما به من حال حرمة قد كانت قبله إلى حال حل خلفها ، وكان ما كان منة من الله عليه في حكمه ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية