الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم دخلت سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة

فمن الحوادث فيها:

[وصول بركيارق إلى خوزستان بحال سيئة]

أن بركيارق وصل إلى خوزستان بحال سيئة لميل الناس إلى السلطان محمد ، وكان مع بركيارق ينال ، وهو أمير عسكره ، ثم خاف منه فرحل عنه إلى الأهواز ، فصادر أهلها ، وأصعد بركيارق إلى واسط ، فهرب أعيان البلد ، فدخل العسكر فعاثوا ونهبوا وقلعوا الأبواب ، واستخرجوا الذخائر ، وفعلوا ما لا يفعل الروم ، وحمل إلى السلطان قوم ذكر أنهم جاءوا للفتك ، وأقر رئيسهم بذلك ، فأمر به السلطان فبطح وضربه فقسمه نصفين ، ثم رحل السلطان إلى بلاد سيف الدولة صدقة ، ففعلت العساكر نحوا مما فعلت بواسط ، والتقى سيف الدولة بالسلطان ، وأصعد معه إلى بغداد ، وكان سعد الدولة الكوهرائين مخيما بالشفيعي ، مقيما على المباينة لبركيارق ، والطاعة للسلطان محمد ، فلما علم بوصوله إلى زريران رحل إلى النهروان في ليلة الجمعة النصف من صفر ، وسارت معه زوجة مؤيد الملك وهي ابنة القاسم بن رضوان ، فلما كان يوم الجمعة منتصف صفر قطعت خطبة محمد ، وأقيمت لبركيارق .

[خروج الوزير عميد الدولة لاستقبال السلطان]

وفي يوم السبت سادس عشر صفر: خرج الوزير عميد الدولة لاستقبال السلطان بركيارق إلى جسر صرصر في الموكب ، وعاد من يومه ، ودخل السلطان بغداد يوم [ ص: 53 ] الأحد ، وجلس على السرير في دار المملكة ، وسر العوام والنساء والصبيان قدومه ، ونفذ الخليفة إليه هدية تشتمل على خيل وسلاح .

[تقرر وزارة العميد أبي المحاسن]

وفي ربيع الأول: تقررت له وزارة العميد أبي المحاسن عبد الجليل بن علي بن محمد الدهستاني ، ولقب بنظام الدين ، وجلس للنظر في دار المملكة ، وخرج إلى حلوان فانضاف إليه سعد الدولة وغيره ، ودخلوا معه إلى بغداد ، فخرج الموكب يتلقاه ، ثم نفذت له الخلع في يوم آخر مع عميد الدولة ، فاحتبسه عنده ، واستدعى أبا الحسن الدامغاني ، وأبا القاسم الزينبي ، وأبا منصور حاجب الباب ، وقال لهم أبو المحاسن: إن السلطان يقول لكم: قد عرفتم ما نحن فيه من الإضاقة ومطالبة العسكر ، وهذا الوزير ابن جهير قد تصرف هو وأبوه في ديار بكر والجزيرة والموصل في أيام جلال الدولة ، وجبوا أموالها ، وأخذوا ارتفاعها ، وينبغي أن يعاد كل حق إلى حقه .

فخرجوا إلى الوزير فأعلموه بالحال ، فقال: أنا مملوك ولا يمكنني الكلام إلا بإذن مولاي . فاستأذنوا في الانصراف فأذن لهم ، فعرفوا الخليفة الحال ، فكتب الخليفة إلى السلطان كتابا مشحونا بالعتب والتهديد والغلظة ، وقال فيه: فلا يغرك إمساكنا عن مقابلة الفلتات ، فوحق السالف من الآباء المتقدمين بحكم رب السماء لئن قصر في أن يعاد شاكرا وبالحباء موفورا لنفعلن! فقرئ الكتاب على السلطان ، وآل الأمر إلى أن أحضر عميد الدولة بين يدي السلطان ، ووعده عنه وزيره بالجميل ، وقال: السلطان يقول لك: إننا ثقلنا عليك كما يثقل الولد على والده لضرورات دعت ، فانطلق والأمراء بين يديه ، وصحح مائة ألف وستين ألف دينار .

والتقى السلطان بركيارق ومحمد في يوم الأربعاء رابع رجب بمكان قريب من همذان ، وكانت الغلبة لأصحاب محمد ، فانهزم بركيارق في خمسين فارسا ، فنزل على فرسخ من المصاف حتى استراح والتأم إليه عسكره ، فلقي أخاه سنجر ، فانهزم أصحاب سنجر ثلاثين فرسخا ، فاشتغل أصحاب بركيارق بالنهب ، وأسرت أم أخوي السلطان سنجر ومحمد فأكرمها ، وقال: إنما ارتبطتك ليطلق أخي من عنده من الأسارى ، فأنفذ سنجر من كان عنده من الأسارى وأطلقها .

التالي السابق


الخدمات العلمية