الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم دخلت سنة سبع عشرة وخمسمائة

فمن الحوادث فيها:

أنه رحل المسترشد في المحرم ، وكان إقبال الأمير الحاجب ، ونظر صاحب العسكر فنزل بقرية تعرف بالحديثة من نهر ملك ، فاستقبله البرسقي وجماعة من الأمراء الذين معه ، ودخلوا عليه وحلفوا على المناصحة والمبالغة في الحرب ، وقرأ أبو الفرج محمد بن عمر الأهوازي على المسترشد جزء الحسن بن عرفة وهو سائر ، وكان قد ذكر أن جماعة من الباطنية وصلوا بغداد في زي الأتراك يقصدون الفتك ، فتقدم أن يبعد كل مستعرب من الأتراك عن السرادق ، وأمر بأن تحمل الأعلام الخاصة - وهي أربعة - أربعة من الخدم ، وكذلك الشمسة ولا يدنو من المسترشد غير الخدم والمماليك ، وسار المسترشد وعسكره يوم الأحد رابع المحرم إلى النيل ، فلما تقاربوا رتب سنقر البرسقي بنفسه العسكر صفوفا ، وكانوا نحو الفرسخ عرضا ، وجعل بين كل صفين محالا للخيل ، ووقف موكب الخليفة من ورائهم حيث يراهم ويرونه ، ورتب دبيس عسكره صفا واحدا وجعل له ميمنة وميسرة وقلبا ، وجعل الرجالة بين يدي الفرسان بالتراس الكبار ، ووقف في القلب من وراء الرجالة وقد منى عسكره ووعدهم نهب بغداد ، فلما تراءى الجمعان بادرت رجاله دبيس فحملت وصاحوا: يا أكلة الخبز الحوارى والكعك الأبيض ، اليوم نعلمكم الطعان والضرب بالسيف ، وكان دبيس قد استصحب معه البغايا والمخانيث بالملاهي والزمور والدفوف يحرضون العسكر ولم يسمع في عسكر الخليفة إلا القرآن والتسبيح والتكبير والدعاء والبكاء . [ ص: 217 ]

وفي هذه الليلة اجتمع أهل بغداد على الدعاء في المساجد وختام الختمات والابتهال في النصر فحمل عنتر بن أبي العسكر الكردي على صف الخليفة [فتراجعوا وتأخروا ، وكان الخليفة] ووزيره من وراء الصف خلف نهر عتيق ، فلما رأى هزيمة الرجالة قال الخليفة لوزيره أحمد: يا نظام الدين ما ترى؟ قال: نصعد العتيق يا أمير المؤمنين ، فصعد الخليفة والمهد والأعلام وجرد الخليفة سيفه وسأل الله تعالى النصر ، وقال جماعة من عسكر دبيس: إن عنترا غدر فلم يصدق ، قالوا: فلما رأوا المهد والعلم والموكب قد صعد على العتيق تيقن غدر عنتر فحمل [زنكي مع] جماعة كانوا قد كمنوا في عسكر دبيس فكسروهم وأسروا عنتر بن أبي العسكر ، ووقعت الهزيمة ، وهرب دبيس ومن معه من خواصه إلى الفرات ، فعبر بفرسه وسلاحه وقد أدركته الخيل ففاتهم ، وذكر أن امرأة عجوزا كانت على الفرات قالت لدبيس دبير جئت فقال دبير من لم يجئ ، وقتل الرجالة وأسر خلق كثير من عسكر دبيس ، وكان الواحد منهم إذا قدم ليقتل قال:

فداك يا دبيس ثم يمد عنقه ، ولم يقتل من عسكر الخليفة سوى عشرين فارسا ، وعاد الخليفة منصورا فدخل بغداد يوم عاشوراء ، وكانت غيبته من خروجه ستة عشر يوما ، ولما عاد الخليفة من حرب دبيس ثار العوام ببغداد فقصدوا مشهد مقابر قريش ونهبوا ما فيه وقلعوا شبائكه وأخذوا ما فيه من الودائع والذخائر ، وجاء العلويون يشكون هذا الحال إلى الديوان فأنهى ذلك ، فخرج توقيع الخليفة بعد أن أطلق في النهب بإنكار ما جرى وتقدم إلى نظر الخادم بالركوب إلى المشهد وتأديب الجناة ، ففعل ذلك ورد [بعض] ما أخذ فظهر في النهب كتب فيها سب الصحابة وأشياء قبيحة .

التالي السابق


الخدمات العلمية