الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

3656 - أحمد بن الحسن بن أحمد بن الحسن بن محمد بن خداداد الكرخي الباقلاوي ، أبو طاهر بن أبي علي:

سمع من أبي علي بن شاذان ، وأبي القاسم بن بشران ، وأبي بكر البرقاني ، وغيرهم . وكان ثقة ضابطا ، وكان جميل الخصال ، مقبلا على ما يعنيه ، زاهدا في الدنيا ، حدث عنه عبد الوهاب الأنماطي وغيره من أشياخنا .

قال شيخنا عبد الوهاب: كان يتشاغل يوم الجمعة بالتعبد ويقول: لأصحاب الحديث من السبت إلى الخميس ، ويوم الجمعة أنا بحكم نفسي للتكبير إلى الصلاة وقراءة القرآن ، وما قرئ عليه في الجامع حديث قط .

قال: ولما قدم نظام الملك إلى بغداد أراد أن يسمع من شيوخها فكتبوا له أسماء الشيوخ ، وكتبوا في جماعتهم اسم أبي طاهر ، وسألوه أن يحضر داره ، فامتنع فألحوا فلم يجب .

قال أبو الفضل بن خيرون: قرابتي وما أنفرد أنا بشيء عنه ، ما سمعته قد سمعه ، وأنا في خزانة الخليفة فما يمتنع عليكم ، فأما أنا فلا أحضر .

وتوفي ليلة الاثنين الرابع من ربيع الآخر ، ودفن بمقبرة باب حرب .

3657 - أحمد بن عمر بن الأشعث ، أبو بكر السمرقندي ، والد شيخنا أبي القاسم:

ولد سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة ، وقرأ القرآن على أبي علي الأهوازي بالقراءات التي صنفها ، وكان مجودا ، وكان ينسخ المصاحف ، وسمع الحديث الكثير ، وروى عنه أشياخنا .

وتوفي يوم الأحد سابع عشرين من رمضان ، ودفن بمقابر الشهداء بباب حرب إلى جانب أبي بكر الدينوري الزاهد .

[ ص: 33 ]

3658 - إبراهيم بن الحسين ، أبو إسحاق الخزاز:

كان من الزهاد ، توفي يوم السبت تاسع ربيع الآخر ، ودفن بمقبرة باب حرب .

ونقلت من خط أبي الوفاء بن عقيل [قال: كان الشيخ أبو إسحاق الخزاز شيخا صالحا بباب المراتب ، وهو أول من لقنني كتاب الله بدرب الديوان بالرصافة ، وكان من عادته الإمساك عن الكلام في رمضان ، وكان يخاطب بآي القرآن في أغراضه وسوانحه وحوائجه ، فيقول في إذنه: ادخلوا عليهم الباب [5: 23] ، ويقول لابنه في عشية الصوم من بقلها وقثائها [2: 61] آمرا له بشراء البقل ، فقلت له: هذا تعتقده عبادة ، وهو معصية ، فصعب عليه فبسطت الكلام ، وقلت: إن هذا القرآن العزيز نزل في بيان أحكام الشريعة فلا يستعمل في أغراض دنيوية وما عندي أن هذا بمثابة صرك السدر والأشنان في ورق المصحف ، أو توسدك له ، فهجرني وهجرته مدة .

3659 - حمزة بن محمد بن الحسن بن محمد بن علي بن محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن عامر بن عبيد الله بن الزبير بن العوام القرشي ، أبو القاسم .

ولد سنة ثمان وأربعمائة ، وسكن نهر الدجاج ، وسمع أبا القاسم الخرقي ، وأبا علي بن شاذان . روى عنه مشايخنا ، وكان صالحا دينا ثقة .

وتوفي يوم الجمعة ثاني شعبان هذه السنة ، ودفن بمقبرة الشونيزية .

3660 - سليمان بن أحمد بن محمد أبو الربيع السرقسطي:

من أهل الأندلس ، دخل بغداد ، وأقام بها ، وسمع أبا القاسم بن بشران ، وأبا العلاء الواسطي ، ومن بعدهما كأبي بكر الخطيب ، وغيره . وكانت له معرفة باللغة .

وروى عنه أشياخنا لكنهم جرحوه ، فقال أبو منصور بن خيرون: نهاني عمي أبو الفضل أن أقرأ عليه [ ص: 34 ] القرآن ، وقال ابن ناصر: كان كذابا يلحق سماعاته .

وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة .

3661 - عبد الله بن إبراهيم بن عبد الله أبو حكيم الخبري:

وخبر إحدى بلاد فارس ، وهو جد شيخنا أبي الفضل بن ناصر لأمه ، تفقه على أبي إسحاق ، وسمع من الجوهري وغيره ، وكانت له معرفة تامة بالفرائض ، وله فيها تصنيف ، وله معرفة بالأدب واللغة ، وكان مرضي الطريقة .

وحدثني عنه شيخنا أبو الفضل بن ناصر ، قال: كان يكتب المصاحف فبينا هو يوما قاعدا مستندا يكتب وضع القلم من يده واستند ، وقال: والله إن كان هذا موتا فهذا موت طيب ، ثم مات .

3662 - عبد المحسن بن محمد بن علي بن أحمد ، أبو منصور الشيحي التاجر:

ويعرف بابن شهدانكه ، من أهل النصرية ، وسمع ببغداد أبا طالب بن غيلان ، وأبا القاسم التنوخي ، وأبا الحسن القزويني ، وأبا إسحاق البرمكي ، والجوهري ، ورحل إلى الشام وديار مصر ، فسمع بها من جماعة ، وأكثر عن أبي بكر الخطيب بصور ، وأهدى إليه الخطيب تاريخ بغداد بخطه ، وقال: لو كان عندي أعز منه لأهديته له؛ لأنه حمل الخطيب من الشام إلى العراق ، وروى عنه الخطيب في تصانيفه فسماه عبد الله ، وكان يسمى عبد الله ، وكان ثقة خيرا دينا .

توفي يوم الاثنين سادس عشر جمادى الآخرة من هذه السنة ، ودفن بمقبرة باب حرب .

3663 - عبد الملك بن إبراهيم بن أحمد] الهمذاني:

[ ص: 35 ]

سمع أبا علي الحسن بن علي الشاموخي وغيره . روى عنه أشياخنا ، وكان يعرف العلوم الشرعية والأدبية ، إلا أن علم الفرائض والحساب انتهى إليه ، وكان قد تفقه على أقضى القضاة أبي الحسن الماوردي ، وكان يحفظ "غريب الحديث" لأبي عبيد ، و"المجمل" لابن فارس ، وكان عفيفا زاهدا ، وكان يسكن درب رياح ، وكان الوزير أبو شجاع قد نص عليه لقضاء القضاة فأجابه المقتدي ، فاستدعاه فأبى أشد الإباء ، واعتذر بالعجز وعلو السن ، وعاود الوزير أن لا يعاود ذكره في هذا الحال .

أنبأنا شيخنا عبد الوهاب الأنماطي قال: سمعت أبا الحسن بن أبي الفضل الهمذاني يقول: كان والدي إذا أراد أن يؤدبني يأخذ العصا بيده ويقول: نويت أن أضرب ابني تأديبا كما أمر الله ، ثم يضربني .

قال أبو الحسن: وإلى أن ينوي ويتم النية كنت أهرب .

توفي يوم الأحد تاسع عشر رمضان من هذه السنة ، ودفن عند قبر ابن سريج .

3664 - محمد بن أحمد بن عبد الباقي بن منصور ، أبو بكر ، ويعرف بابن الخاضبة ، الدقاق:

كان معروفا بالإفادة ، وجودة القراءة ، وحسن الخط ، وجودة النقل ، وجمع علم القراءات والحديث ، وأكثر عن أبي بكر الخطيب ، وأصحاب المخلص ، والكتاني .

حدثنا عنه شيوخنا وكانوا يثنون عليه ، وعاجلته المنية قبل الرواية . توفي ليلة الجمعة ثاني ربيع الأول ، ودفن في المقبرة المعروفة بالأجمة المتصلة بباب أبرز .

أنبأنا أبو زرعة ، عن أبيه محمد بن طاهر قال: سمعت أبا بكر محمد بن أحمد الدقاق المعروف بابن الخاضبة يقول: لما كانت سنة الغرق وقعت داري على قماشي [ ص: 36 ] وكتبي ، ولم يبق لي شيء ، وكانت لي عائلة ، وكنت أورق للناس ، فكتبت صحيح مسلم تلك السنة سبع مرات ، فنمت ليلة فرأيت في المنام كأن القيامة قد قامت ومناد ينادي:

أين ابن الخاضبة؟ فأحضرت ، فقيل لي: ادخل الجنة ، فلما دخلت استلقيت على فراشي ، ووضعت إحدى رجلي على الأخرى ، وقلت: استرحت والله من النسخ .

3665 - محمد بن علي بن عمير ، أبو عبد الله القهندزي العميري:

خرج من هراة إلى الحجاز سنة عشرين وأربعمائة ، وركب البحر ، وخرج إلى عدن ، وزبيد ، ووصل إلى مكة بعد سنتين ، وسمع بها ، ثم انصرف إلى بغداد وسمع بها ، وبهراة ، ونيسابور ، وسجستان ، وغير ذلك من البلاد ، سمع المؤتمن وغيره ، وكان متقنا [فهما] فقيها فاضلا دينا خيرا ورعا زاهدا ، حدث بالكثير .

وتوفي في محرم هذه السنة .

3666 - محمد بن علي بن محمد ، أبو ياسر الحمامي:

قرأ على أبي بكر الخياط وغيره ، وكتب الكثير من علوم القرآن والحديث ، وسمع من أبي محمد الخلال ، وأبي جعفر ابن المسلمة ، والصريفيني ، وغيرهم ، وكان ثقة إماما في القراءات والحديث ، سمع أشياخنا منه .

وتوفي يوم الثلاثاء تاسع المحرم ، ودفن بمقبرة باب حرب .

أنشدني أبو الفتح بن أبي السعادات الوكيل قال: أنشدنا أبو عمرو عثمان بن محمد بن الحسين المدني ، قال: أنشدني أبو ياسر الحمامي:


دحرجني الدهر إلى معشر ما فيهم للخير مستمتع     إن حدثوا لم يفهموا لفظة
أو حدثوا ضجوا فلم يسمعوا

[ ص: 37 ]

3667 - محمد بن أحمد بن محمد ، أبو نصر الرامشي:

من أهل نيسابور ، ولد سنة أربع وأربعمائة ، وسافر الكثير ، وسمع الكثير ، ورحل في طلب القراءات والحديث ، وكان مبرزا في علوم القرآن ، وله حظ في علم العربية ، وأملى بنيسابور [سنين] وتوفي في هذه السنة .

3668 - منصور بن محمد بن عبد الجبار [بن أحمد] بن محمد ، أبو المظفر السمعاني:

من أهل مرو ، تفقه على أبيه أبي منصور على مذهب أبي حنيفة حتى برع في الفقه ، وبرز على أقرانه من الشبان ، ثم ورد بغداد في سنة إحدى وستين ، وسمع الحديث الكثير بها ، واجتمع بأبي إسحاق الشيرازي ، وأبي نصر بن الصباغ ، ثم انتقل إلى مذهب الشافعي ، فلما رجع إلى بلده اضطرب أهل بلده ، وجلب عليه العوام ، وقالوا: طريقة ناظر عليها أكثر من ثلاثين سنة ثم تحول عنها ، فخرج إلى طوس ، ثم قصد نيسابور ، ووعظ وصنف "التفسير" و"البرهان" ، و"الاصطلام" ، وكتاب "القواطع" [ ص: 38 ] في أصول الفقه ، وكتاب "الانتصار" في الحديث ، وغير ذلك ، وأملى الحديث ، وكان يقول: ما حفظت شيئا فنسيته .

وسئل عن أخبار الصفات فقال: عليكم بدين العجائز . وسئل عن قوله: الرحمن على العرش استوى [20: 5] فقال:


جئتماني لتعلما سر سعدى     تجداني بسر سعدى شحيحا
إن سعدى لمنية المتمني     جمعت عفة ووجها صبيحا

توفي أبو المظفر في ربيع الأول من هذه السنة ، ودفن في مقبرة مرو ، رحمه الله وإيانا وجميع المسلمين .

[ ص: 39 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية