الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

3796 - الحسن بن عبد الواحد بن الحصين ، أبو القاسم:

صاحب مخزن الخليفة المستظهر بالله ، تمكن من الدولة تمكنا كثيرا ، وكان يعزل ويولي من الوزير إلى من دونه ، فقبض عليه السلطان محمد وحمله إلى القلعة بكنجة ، فتوفي في هذه السنة .

3797 - علي بن محمد بن علي بن محمد بن يوسف ، أبو الحسن ابن العلاف:

ولد سنة ست وأربعمائة ، وروى عن أبي القاسم بن بشران ، وأبي الحسن الحمامي ، وغيرهما . وكان سماعه صحيحا ، ومتع بسمعه وبصره وجوارحه إلى أن توفي في هذه السنة [عن ثمان وتسعين سنة .

3798 - عبد الملك بن محمد بن الحسين ، أبو محمد البوزجاني:

سمع أبا الحسن القزويني ، وروى عنه أشياخنا ، وكان شيخا صالحا .

وتوفي في محرم هذه السنة ، ودفن في مقبرة باب حرب .

3799 - محمد بن محمد بن محمد أبو حامد الغزالي:

ذكر أنه ولد سنة خمسين وأربعمائة ، وتفقه على أبي المعالي الجويني ، وبرع في النظر في مدة قريبة ، وقاوم الأقران وتفقه وتوحد ، وصنف الكتب الحسان في الأصول [ ص: 125 ] والفروع التي انفرد بحسن وضعها وترتيبها وتحقيق الكلام فيها ، حتى أنه صنف في حياة أستاذه الجويني ، فنظر الجويني في كتابه المسمى "بالمنخول" فقال له: دفنتني وأنا حي هلا صبرت حتى أموت؟ وأراد أن كتابك قد غطى على كتابي ، ووقع له القبول من نظام الملك ، فرسم له التدريس بمدرسته ببغداد ، فدخل بغداد في سنة أربع وثمانين ودرس بها ، وحضره الأئمة الكبار كابن عقيل وأبي الخطاب ، وتعجبوا من كلامه واعتقدوه فائدة ، ونقلوا كلامه في مصنفاتهم ، ثم إنه ترك التدريس والرئاسة ، ولبس الخام الغليظ ، ولازم الصوم ، وكان لا يأكل إلا من أجرة النسخ ، وحج وعاد ثم رحل إلى الشام ، وأقام ببيت المقدس ودمشق مدة يطوف المشاهد ، وأخذ في تصنيف كتاب "الإحياء" في القدس ، ثم أتمه بدمشق إلا أنه وضعه على مذهب الصوفية ، وترك فيه قانون الفقه ، مثل أنه ذكر في محو الجاه ، ومجاهدة النفس أن رجلا أراد محو جاهه فدخل الحمام فلبس ثياب غيره ثم لبس ثيابه فوقها ، ثم خرج يمشي على مهل حتى لحقوه فأخذوها منه ، وسمي سارق الحمام .

وذكر مثل هذا على سبيل التعليم للمريدين قبيح؛ لأن الفقه يحكم بقبح هذا ، فإنه متى كان للحمام حافظ وسرق سارق قطع ، ثم لا يحل لمسلم أن يتعرض لأمر يأثم الناس به في حقه .

وذكر أن رجلا اشترى لحما فرأى نفسه تستحيي من حمله إلى بيته فعلقه في عنقه ومشى .

وهذا في غاية القبح ، ومثله كثير ليس هذا موضعه . وقد جمعت أغلاط الكتاب وسميته "إعلام الأحياء بأغلاط الإحياء" وأشرت إلى بعض ذلك في كتابي المسمى "بتلبيس إبليس" مثل ما ذكر في كتاب النكاح أن عائشة رضي الله عنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: أنت الذي تزعم أنك رسول الله ، وهذا محال .

وإنما كان سبب إعراضه فيما وضعه عن مقتضى الفقه أنه صحب الصوفية فرأى حالتهم الغاية ، وقال: إني أخذت الطريقة من أبي علي الفارمذي ، وامتثلت ما كان يشير به من [ ص: 126 ] وظائف العبادات واستدامة الذكر ، إلى أن جزت تلك العقبات وتكلفت تلك المشاق ، وما حصلت ما كنت أطلبه .

ثم إنه نظر في كتاب أبي طالب المكي وكلام المتصوفة القدماء ، فاجتذبه ذلك بمرة عما يوجبه الفقه ، وذكر في كتاب الإحياء من الأحاديث الموضوعة وما لا يصح غير قليل ، وسبب ذلك قلة معرفته بالنقل ، فليته عرض تلك الأحاديث على من يعرف ، وإنما نقل نقل حاطب ليل .

وكان قد صنف للمستظهر كتابا في الرد على الباطنية ، وذكر في آخر مواعظ الخلفاء ، فقال: روي أن سليمان بن عبد الملك بعث إلى أبي حازم: ابعث إلى من إفطارك ، فبعث إليه نخالة مقلوة ، فبقي سليمان ثلاثة أيام لا يأكل ، ثم أفطر عليها ، وجامع زوجته فجاءت بعبد العزيز ، فلما بلغ ولد له عمر بن عبد العزيز .

وهذا من أقبح الأشياء؛ لأن عمر ابن عم سليمان ، وهو الذي ولاه ، فقد جعله ابن ابنه ، فما هذا حديث من يعرف من النقل شيئا أصلا .

وكان بعض الناس شغف بكتاب الإحياء فأعلمته بعيوبه ، ثم كتبته له فأسقطت ما يصلح إسقاطه ، وزدت ما [يصلح أن] يزاد .

ثم إن أبا حامد عاد إلى وطنه مشتغلا بتعبده ، فلما صارت الوزارة إلى فخر الملك أحضره وسمع كلامه ، وألزمه بالخروج إلى نيسابور ، فخرج ودرس ، ثم عاد إلى وطنه واتخذ في جواره مدرسة ورباطا للصوفية ، وبنى دارا حسنة ، وغرس فيها بستانا ، وتشاغل بحفظ القرآن ، وسمع الصحاح .

سمعت إسماعيل بن علي الموصلي الواعظ يحكي عن أبي منصور الرزاز الفقيه ، قال: دخل أبو حامد بغداد فقومنا ملبوسه ومركوبه خمسمائة دينار ، فلما تزهد وسافر وعاد إلى بغداد فقومنا ملبوسه خمسة عشر قيراطا .

وحدثني بعض الفقهاء ، عن أنوشروان -وكان قد وزر للخليفة- أنه زار أبا حامد [ ص: 127 ] الغزالي ، فقال له أبو حامد: زمانك محسوب [عليك] وأنت كالمستأجر ، فتوفرك على ذلك أولى من زيارتي ، فخرج أنوشروان ، وهو يقول: لا إله إلا الله ، هذا الذي كان في أول عمره يستزيدني فضل لقب في ألقابه ، كان يلبس الذهب والحرير ، فآل أمره إلى هذا الحال؟!

توفي أبو حامد يوم الاثنين رابع عشر جمادى الآخرة من هذه السنة بطوس ، ودفن بها ، وسأله قبيل الموت بعض أصحابه: أوص ، فقال: عليك بالإخلاص ، فلم يزل يكررها حتى مات .

3800 - محمد بن علي بن محمد ، أبو الفتح الحلواني:

سمع أبا الحسين بن المهتدي وغيره ، وتفقه على الشريف أبي جعفر ، وحدث بشيء يسير .

توفي يوم عيد الأضحى من هذه السنة ، ودفن بباب حرب .

3801 - مودود الأمير:

قد ذكرنا في الحوادث كيفية قتله ، وكيف قتله الباطنية في دمشق .

[ ص: 128 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية