الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

3802 - أحمد بن الفرج [بن عمر] ، أبو نصر الدينوري والد شيختنا شهدة:

سمع القاضي أبا يعلى ، وابن المأمون ، وابن المهتدي ، وابن النقور ، وابن المسلمة ، وأبا بكر الخطيب . روى عنه جماعة منهم ابنته شهدة ، وكان خيرا متزهدا حسن السيرة .

وتوفي في جمادى الآخرة من هذه السنة .

3803 - صاعد بن منصور بن إسماعيل بن صاعد ، أبو العلاء الخطيب:

من أهل نيسابور ، سمع الحديث الكثير ، وروى عنه شيخنا أبو شجاع النظامي ، وكان الجويني يثني عليه ، وخلف أباه في الخطابة والتدريس والتذكير . ولي قضاء خوارزم ، وأملى الحديث .

وتوفي في رمضان هذه السنة .

3804 - عبد الملك بن عبد الله بن أحمد بن رضوان ، أبو الحسين:

حدث عن أبي محمد الجوهري ، وروى عنه أبو المعمر الأنصاري ، وكان خيرا [ ص: 130 ] صالحا كثير الصدقة والبر ، وكان كاتب المستظهر بالله على ديوان الرسائل .

وتوفي في شوال هذه السنة ، ودفن بمقبرة باب حرب .

3805 - محمد بن الحسين بن إسماعيل أبو جعفر البرزائي:

من أهل طبرستان ، رحل في طلب الحديث ، وسمع الكثير بالعراق والحجاز والجبال ، وكان صالحا صدوقا . وتوفي في هذه السنة .

3806 - محمد بن محمد بن أيوب أبو محمد القطواني:

من أهل سمرقند ، وقطوان على خمسة فراسخ منها ، سافر البلدان ، وسمع الكثير ، وكان إماما واعظا فاضلا ، له القبول التام بين الخواص والعوام ، وحظي عند الملوك ، وكان يأمرهم بالمعروف من غير محاباة ، ووعظ يوما في الجامع وصلى العصر ، ثم ركب فرسا له فسقطت قطعة من السور فنفر الفرس ورماه ، فاندقت عنقه ، فحمل إلى داره ، فتوفي [وقت الفجر] يوم السبت سادس رجب سنة ست وخمسمائة .

3807 - المعمر بن علي بن المعمر ، أبو سعد بن أبي عمامة الواعظ:

ولد سنة تسع وعشرين وأربعمائة ، وسمع ابن غيلان والخلال والجوهري وغيرهم ، وكان يعظ وجمهور وعظه حكايات السلف ، وكان له خاطر حاد وذهن بغدادي وتماجن ، وكان يحاضر المستظهر بالله ، قال يوما في وعظه: أهون ما عنده أن يجعل لك أبواب الوصي توابيت .

ولما دخل نظام الملك وزير السلطان ملك شاه إلى بغداد صلى في جامع المهدي الجمعة ، فقام أبو سعد بن أبي عمامة ، فقال: الحمد لله ولي الإنعام ، وصلى الله على من هو للأنبياء ختام ، وعلى آله سرج الظلام ، وعلى أصحابه الغر الكرام ، والسلام على صدر الإسلام ، ورضي الإمام ، زينه الله بالتقوى ، وختم عمله بالحسنى ، وجمع له بين خير [ ص: 131 ] الآخرة والدنيا ، معلوم يا صدر الإسلام أن آحاد الرعية من الأعيان مخيرون في القاصد والوافد ، إن شاءوا وصلوه وإن شاءوا قطعوه ، فأما من توشح بولائه وترشح لآلائه فليس مخيرا في القاصد والوافد؛ لأن من هو على الحقيقة أمير فهو في الحقيقة أجير ، قد باع نفسه وأخذ ثمنه ، فلم يبق له من نهاره ما يتصرف فيه على اختياره ، ولا له أن يصلي نفلا ، ولا يدخل معتكفا دون التبتل لتدبيرهم ، والنظر في أمورهم؛ لأن ذلك فضل وهذا فرض لازم ، وأنت يا صدر الإسلام وإن كنت وزير الدولة ، فأنت أجير الأمة ، استأجرك جلال الدولة بالأجرة الوافرة لتنوب عنه في الدنيا والآخرة .

فأما في الدنيا ففي مصالح المسلمين ، وأما في الآخرة فلتجيب عند رب العالمين ، فإنه سيقفه بين يديه ويقول له: ملكتك البلاد وقلدتك أزمة العباد فما صنعت في إقامة البذل وإفاضة العدل؟ فلعله يقول: يا رب اخترت من دولتي شجاعا عاقلا حازما وسميته قوام الدين نظام الملك ، وها هو قائم في جملة الولاة ، وبسطت يده في السوط والسيف والقلم ، ومكنته من الدينار والدرهم ، فاسأله يا رب ماذا صنع في عبادك وبلادك؟

أفتحسن أن تقول في الجواب: نعم ، تقلدت أمور العباد ، وملكت أزمة العباد ، فبثثت النوال وأعطيت الأفضال ، حتى إني أقربت من لقائك ودنوت من تلقائك اتخذت الأبواب والنواب والحجاب والحجاب؛ ليصدوا عني القاصد ويردوا عني الوافد؟!

فاعمر قبرك كما عمرت قصرك ، وانتهز الفرصة ما دام الدهر يقبل أمرك ، فلا تعتذر فما ثم من يقبل عذرك .

وهذا ملك الهند وهو عابد صنم ذهب سمعه ، فدخل عليه أهل مملكته يعزونه في سمعه ، فقال: ما حزني لذهاب هذه الجارحة من بدني ، ولكن لصوت المظلوم كيف لا أسمعه فأغيثه ، ثم قال: إن كان قد ذهب سمعي فما ذهب بصري ، فليؤمر كل ذي ظلامة أن يلبس الأحمر حتى إذا رأيته عرفته فأنصفته .

وهذا أنوشروان قال له رسول ملك الروم: لقد أقدرت عدوك عليك بتسهيل الوصول إليك ، فقال: إنما أجلس هذا المجلس لأكشف ظلامة وأقضي حاجة .

وأنت يا صدر الإسلام أحق بهذه المأثرة ، وأولى بهذه المعدلة ، وأحرى من أعد جوابا لتلك المسألة ، فإنه الله الذي تكاد السموات يتفطرن منه في موقف ما فيه إلا خاشع أو خاضع [ ص: 132 ] أو مقنع ، ينخلع فيه القلب ، ويحكم فيه الرب ، ويعظم الكرب ، ويشيب الصغير ، ويعزل الملك والوزير: يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى [89: 23] يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا [3: 30] وقد استجلبت لك الدعاء ، وخلدت لك الثناء مع براءتي من التهمة؛ فليس لي في الأرض ضيعة ولا قرية ، ولا بيني وبين أحد حكومة ، ولا بي بحمد الله فقر ولا فاقة .

فلما سمع نظام الملك هذه الموعظة بكى بكاء طويلا ، وأمر له بمائة دينار فلم يأخذها ، وقال: أنا في ضيافة أمير المؤمنين ومن يكون في ضيافته يقبح أن يأخذ عطاء غيره ، فقال له: فضها على الفقراء ، فقال: الفقراء على بابك أكثر منهم على بابي . ولم يأخذ شيئا .

توفي أبو سعد في ربيع الأول من هذه السنة . [ ص: 133 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية