الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم دخلت سنة خمس وتسعين وأربعمائة

[القبض على إلكيا أبي الحسن]

فمن الحوادث فيها:

أنه في يوم الخميس سادس محرم قبض على إلكيا أبي الحسن علي بن محمد المدرس بالنظامية ، فحمل إلى موضع أفرد له ، ووكل به جماعة ، وذلك أنه رفع عنه إلى السلطان محمد بأنه باطني ، فتقدم بالقبض عليه ، فتجرد في حقه أبو الفرج بن السيبي القاضي ، وأخذ المحاضر ، وكتب أبو الوفاء بن عقيل خطه له بصحة الدين ، وشهد له بالفضل ، وخوطب من دار الخلافة في تخليصه فاستنقذ .

[جلوس المستظهر لمحمد وسنجر]

وفي يوم الثلاثاء حادي عشر المحرم: جلس المستظهر لمحمد وسنجر ، واجتمع أرباب المناصب في التاج ، ونزل كمال الدولة في الزبزب ، وأصعد إلى دار المملكة ، فاستدعاهما فنزلا في الزبزب ، وكان الطيار قد شعث وغاب ، وهو الذي انحدر فيه والدهما جلال الدولة أبو الفتح ملك شاه إلى دار الخلافة حين جلس له المقتدي بأمر الله ، وانحدر فيه طغرلبك حين جلس له القائم بأمر الله ، وهذا الطيار كان لجلال الدولة أبي طاهر بن بويه ، وأنفق عليه زائدا على عشرة آلاف دينار ، وأهداه للقائم ، وجددت عمارته في سنة سبع وأربعين ، واتسعت في أيام المقتدي ، فجددت عمارته وحط إلى دجلة ، فكان للناس في تلك الأيام من الفرجة بدجلة عجائب ثم هدم .

[ ص: 75 ]

فنزلا في الزبزب ، فانحدرا إلى دار الخلافة ومعهما الحشر ، وقد شهروا للسلام ، وقدم لهما مركوبان من مراكب الخليفة وبين يديهما أمراء الأجناد ، وكان على كتف المستظهر البردة المحمدية وفي يده القضيب ، ودخلا فقبلا الأرض فأمر الخليفة كمال الدولة بإفاضة الخلع عليهما ، وعقد الخليفة لواءين بيده ، وكانت الخلع على محمد سيفا وطوقا وسوادا وسيفا ولواء ، وقبل بين يدي السلطان خمسة أرؤس خيلا بمراكب ، أحدها مركب صيني ، وبين يدي الآخر ثلاثة ، فوعظهما الخليفة وأمرهما بالتطاوع ، وقرأ عليهما واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا [3: 103] ثم انصرفا .

فلما كان يوم السبت منتصف محرم خرج سنجر متقدما لأخيه قاصدا ممالكه بخراسان ، وخرج محمد يوم الأربعاء تاسع عشر المحرم ، فأرجف يوم الجمعة حادي عشرين المحرم بدنو السلطان بركيارق ، فأمر الخليفة كمال الدولة وأمراء بالمضي إلى محمد وسنجر وإعادتهما ، فلقي محمدا فرده وفاته سنجر ، وعزم الخليفة على النهوض لنصرة السلطان محمد ، وأمر بالاحتراز والاستعداد ، وجمع السفن ، فبذل السلطان محمد القيام بهذه الخدمة وأنه يكفيه عناية النهوض ، ودخل سيف الدولة صدقة إلى الخليفة فتقدم بتطويعه ، وقال: إن الخليفة يعضد بك بالصارم العضب .

[وخرج السلطان محمد] ثامن عشر المحرم ، فسار إلى النهروان ، وبعث الخليفة إليه من أعلمه أنه قد ولاه ما وراء بابه ، وأرسل سعادة الخادم ومعه منجوق ، وأخرج معه أبو علي الحسن بن محمد الإستراباذي الحنفي وأبو سعد بن الحلواني؛ ليكونا مع السلطان محمد في جميع مواقفه ، ويعلما الناس أن الإمام قد ولاه ما وراء بابه ، فلحقوه بالدسكرة ، ثم التقى هو وبركيارق وآل الأمر إلى الصلح ، على أن يكون لسلطان بركيارق ومحمد الملك ، وأن يضرب له ثلاث نوب ، وجعل له من البلاد جنزة وأعمالها وأذربيجان وديار بكر وديار مضر وديار ربيعة ، وهذه البلاد تؤدي ألف ألف دينار وثلاثمائة [ ص: 76 ] ألف دينار وبضعة عشر ألف دينار ، ثم لم يف محمد فعوود ، وجرى عليه المكروه .

وفي رجب: قبل قاضي القضاة أبو الحسن الدامغاني شهادة أبي الحسين وأبي خازم ابني القاضي أبي يعلى بن الفراء .

وفي هذه السنة: قدم إلى بغداد أبو المؤيد عيسى بن عبد الله الغزنوي ، ووعظ في الجامع ، وأظهر المذهب الأشعري ، ومال معه صاحب المخزن ابن الفقيه ، فوقعت فتنة ، وجاز يوما من مجلسه ماضيا إلى منزله برباط أبي سعد الصوفي ، فرجم من مسجد ابن جردة ، فارتفع بذلك سوقه وكثر أصحابه ، وخرج من بغداد في ربيع الآخر سنة ست وتسعين ، فكانت إقامته سنة وبعض أخرى .

وفي رابع رمضان: استوزر للمستظهر أبو المعالي الأصفهاني ، وعزل في رجب سنة ست وتسعين ، واعتقل في الحبس أحد عشر شهرا ثم أطلق .

التالي السابق


الخدمات العلمية