الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب ذكر خلافة المقتفي بالله

واسمه محمد بن المستظهر بالله ، ويكنى أبا عبد الله ، وولي من أولاد المستظهر المسترشد والمقتفي وهما أخوان ، وكذلك السفاح والمنصور أخوان ، والهادي والرشيد أخوان ، والواثق والمتوكل ابنا المعتصم أخوان ، وأما ثلاثة إخوة فالأمين والمأمون والمعتصم بنو الرشيد [والمنتصر والمعتز والمعتمد بنو المتوكل] ، والمكتفي والمقتدر والقاهر بنو المعتضد ، والراضي والمتقي والمطيع بنو المقتدر ، فأما أربعة إخوة فلم يكن إلا الوليد وسليمان ويزيد وهشام بنو عبد الملك .

ولد المقتفي في ربيع الأول سنة تسع وثمانين وأمه أم ولد اسمها نسيم ، وكانت جارية صفراء يقال لها: ست السادة ، وكان يضرب بها المثل في الكرم ، وسمع الحديث من مؤدبه أبي الفرج عبد الوهاب بن هبة الله بن السيبي .

وحدثنا الوزير أبو الفضل يحيى بن هبيرة ، [قال:] بويع المقتفي بعد أن خلع القاهر الراشد ووزر له علي بن طراد ، ثم أبو نصر المظفر بن علي بن جهير ، ثم أبو القاسم علي بن صدقة بن علي بن صدقة ، ثم أبو المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة ، وكان قاضي القضاة في زمانه أبو القاسم الزينبي ، ثم أبو الحسن الدامغاني ، وكانت بيعة المقتفي العامة يوم الأربعاء ثامن عشر ذي القعدة ، وجمع القضاة والشهود بعد ذلك فأطلعوهم على شيء من المنكر ونسبوه إلى الراشد ، وخطب يوم الجمعة العشرين من ذي القعدة للمقتفي ومسعود ولم ينثر كما جرت العادة وإنما لقب المقتفي لسبب ، فإنه وجد بخط أبي الفرج بن الحسين الحداد ، قال: حكى بعض من أثق به أن المقتفي رأى [ ص: 314 ] في منامه قبل أن يلي بستة أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم و[هو] يقول له: سيصل هذا الأمر إليك فاقتف بي فتلقب المقتفي لأمر الله .

ثم إن السلطان مسعودا بعد أن أظهر العدل ونادى بإزالة النزل من دور الناس ونهى عن النهب بعث فأخذ جميع ما كان في دار الخلافة من خيل وبغال وأثاث وذهب وفضة وزلالي وستور وسرادق وحصر ومساند ، وطالب الناس بالخراج والبرات ، ولم يترك في إصطبل الخاص سوى أربعة أرؤس من الخيل ، وثلاثة من البغال برسم الماء ، فقيل إنهم أخذوا ذلك ليحسبوا مما تقرر على الخليفة [وكان قد تقرر عليه مائة وعشرون ألف دينار] ، وقيل بل بايعوا على أن لا يكون عنده خيل ولا آلة سفر وأخذوا جواري خادمات وغلمان ، وكان ابن الداريج ينوب عن العميد ، فضمن أطيان سلاحية الخليفة بمائة ألف دينار ، فأخذت أموالهم ومضت خاتون إلى السلطان تستعطفه ، فاجتازت بالسوق وبين يديها القراء والأتراك ، وكان عندها جهات الراشد وأولاده ، فعادت وقد تحرر جميع ما كان للخليفة من بلاده .

وفي خامس ذي الحجة قدم ابن دبيس فتلقى من عند صرصر بكأس من عند السلطان فشربه وهو يبكي ويرتعد ، فبعث إليه فرس ومركب ودخل إلى السلطان وخرج سالما ، وفي تلك الليلة جاءت أصحاب السلطان إلى صاحب المخزن يطالبونه بما استقر عليهم فأدخلهم إلى دار الخلافة ، ودخل إلى حجر المسترشد والراشد وأظهر نساءهما وسراريهما وأمرهن بالكلام ، وإظهار ما عندهن من المال وقال لأصحاب السلطان: خوفوهن ، وأمر بكشف وجوههن ، فأخذوا تلك الليلة ما قدروا عليه من حلي ومصاغ ثم إن السلطان ركب سفينة ودخل على أمير المؤمنين المقتفي في تاسع ذي الحجة فبايعه ، وقلد الوزير شرف الدين ديوان الخليفة ، وكان قد قرر عليه مائة ألف وعشرين ألف دينار . [ ص: 315 ]

وفي يوم الجمعة حادي عشرين ذي الحجة وصلت الأخبار بأن الراشد دخل إلى الموصل .

وفي رابع عشر الشهر أذن المقتفي في بيع عقاره وتوفية السلطان ما استقر عليه من الأموال ، ورفع المصادرة عن الناس ، وكانت قد كثرت فلم يتجاسر أحد يشتري ، وتقلد صاحب المخزن وزارة خاتون ومضى إلى خدمتها ، وقلد الطاهر أبو عبد الله أحمد بن علي بن المعمر نقابة الطالبيين مكان أبيه .

ونهب عسكر زنكي في طريقهم بأوانا .

التالي السابق


الخدمات العلمية