الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[صلب اثنين من العيارين في درب الدواب]

وفي ثاني عشر شوال: صلب اثنان في درب الدواب من العيارين بسبب أنهما جبيا الدرب .

وفي ثامن عشر: سد على باب السور الذي على باب السلطان بآجر وطين ، وكان السبب أن العسكر خرجوا يطاردون فغدر منهم جماعة ومضوا إلى مسعود .

وفي تاسع عشر: قبض على ابن كسبرة ، وأخذ أخذة هائلة ، ووكل به ، وكبس بيته وأثبت جميع ما فيه ، فلما كانت ليلة الأربعاء أخرج وقت ضرب الطبل ، ونصبت له خشبة في الرحبة ، وأخذ مع امرأة مسلمة كان يتهم بها وكانت مستحسنة ، فجيء بحلة من قصب وجعلت المرأة فيها وضربها النفاط بالنار فاحترقت الحلة ، وخرجت المرأة هاربة عريانة ، فعفي عنها وقد نالها بعض الحريق ، وقدم هو ليقتل وقيل للقاتل: اعرض عليه الإسلام ، فقال: أخشى أن أقتل بعد ذلك ، فأسلم فآمنوه .

وجاء ركابي لزنكي فأخذه العيارون فقتلوه فشكا ذلك زنكي ، وقال: أريد أن أكبس الشارع والحريم على العيارين فأطلق في ذلك فنهب الشارع والحريم وأخذ ما قيمته خمسمائة ألف دينار من الأبريسم والثياب والذهب والفضة والمصاغ ، وكان فيه ودائع أهل حنيفة والرصافة والمحال والقرى .

وفي غرة ذي القعدة: أحضر الغزنوي فنصب له منبر فتكلم عند السرادق وكان السبب ضيق صدر وجده أمير المؤمنين ، [واستغاث الناس ليطلقوا في الخروج ، فقيل لهم ينبغي أن تصرفوا نفقاتكم إلى الجهاد بين يدي أمير المؤمنين] ، ونفذ مسعود [ ص: 311 ] عسكرا إلى واسط فأخذها والنعمانية فنهبها وضرب بقاع جازر ، فمضى البازدار فجلس بإزائه ونفذ الراشد العساكر ، ومضى سيف الدولة يطلب الحلة ، ونودي لا يبقى ببغداد من العسكر أحد ، فرحل الناس وخرج الراشد فضرب بصرصر واستشعر بعض العسكر من بعض ، فخشي زنكي من البقش والبازدار فعاد إلى ورائه ، فرجع أكثر العسكر منهزمين ، ودخل الراشد بغداد وقيل إن السلطان مسعودا كاتب زنكي سرا وحلف له أنه يقاره على بلاده وعلى الشام جميعه ، وكاتب الأمراء ، وقال: من منكم قبض على زنكي وقتله أعطيته بلاده فعرف زنكي ذلك فأشار على الراشد أن يرحل صحبته .

وفي ثاني ذي القعدة: قبض على أستاذ الدار ابن جهير ، وعلى صاحب المخزن ، وعلى خليفة الدويتي وعلى ابن فيه الناظر في نفقة المخزن ، وخلع على منكوبرس ، ثم جلس أبو الفتوح بباب السرادق ، فاستغاث إليه الحاج فأجيبوا بمثل ما قيل لهم قبل ذلك .

فلما كانت ليلة السبت رابع عشر ذي القعدة خرج الخليفة من باب البشرى وسار ليلا وزنكي قائم ينتظره [فدخل دار برنقش ] ولم ينم الناس وأصبحوا على خوف شديد ، فأخرجت خاتون أصحابها فحفظت باب النوبي ، وظهر أبو الكرم الوالي [وحاجب الباب ، فسكنوا الناس ، وخرج أبو الكرم ] يطلب الخليفة فأخذ وحمل إلى مسعود ، فأطلقه وسلم إليه البلد .

ورحل الراشد يوم السبت حين طلعت عليه الشمس ولم يصحبه شيء من آلة السفر لأنه لما بات في دار برنقش أصبحوا ، فقال لهم: اليوم مقام فأقضوا أشغالكم ، فعبر ريحان الخادم ليحمل له طعاما ، وعبر ابن الملقب ليفصل له ثيابا واهتم السفارون والمكارية بما يصلحهم ، فرحل على غفلة فهموا بالعبور ولم يقدروا .

ودخل مسعود إلى بغداد يوم الأحد خامس عشر الشهر ونهبت دواب الجند ، [ ص: 312 ] وكان الخليفة قد سلم الدار ومفاتيحها إلى خاتون ، ووصل صافي الخادم فقال إن الخليفة لم يفعل صوابا بذهابه ، وإن السلطان له على نية صالحة ، وسكن الناس ولم ينقطع ضرب الطبل ، وإيقاد المنار ، وكان أصحاب خاتون يقصدون باب النوبي للخدمة ، ولما دخل السلطان بغداد أظهر العدل وشحن المحال ومنع النزل والنهب ، واستمال قلوب الناس ، وجمع القضاة والشهود عند السلطان مسعود وقدحوا في الراشد وتولى ذلك الزينبي ، وقيل: لم يقدحوا فيه إنما أخرج السلطان خطه ، وكان قد كتب مع بكبه: إنني متى جندت أو خرجت فقد خلعت نفسي من الأمر ، فشهد الشهود أن هذا خط الخليفة ، والأول أظهر .

وأحكم الوزير علي بن طراد النوبة ، وأحضر الفقهاء والقضاة وخوفهم وهددهم إن لم يخلعوه ، وكتب محضر فيه أن أبا جعفر بن المسترشد بدا من أفعاله وقبح سيرته وسفكه الدماء المعصومة وفعل ما لا يجوز معه أن يكون إماما ، وشهد بذلك ابن الكرجي ، والهيتي ، وابن البيضاوي ، ونقيب الطالبيين ، وابن الرزاز ، وابن شافع ، وروح بن الحديثي ، وقالوا: إن ابن البيضاوي شهد مكرها ، وحكم ابن الكرجي قاضي البلد بخلعه يوم الاثنين سادس عشر الشهر بحكم الحاكم وولي المقتفي . [ ص: 313 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية