الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم دخلت سنة أربع عشرة وخمسمائة

فمن الحوادث فيها:

[خطب للسلطانين سنجر بن ملك شاه وابن أخيه محمود بن محمد

أنه في المحرم خطب للسلطانين [أبي الحارث] سنجر بن ملك شاه ، وابن أخيه أبي القاسم محمود بن محمد جميعا في موضع واحد ، وسمي كل واحد منهما شاهنشاه .

[ترتيب أبي الفتوح حمزة بن علي وكيلا ناظرا]

وفي أول صفر: رتب أبو الفتوح حمزة بن علي بن طلحة وكيلا ناظرا في المخزن ، وكان قبل ذلك ينظر في حجبة الباب ، فبقي في الحجبة سنة وشهرا وأياما ، ثم نقل إلى المخزن .

[تمرد العيارون]

وتمرد العيارون في هذا الأوان وأخذوا زواريق منحدرة من الموصل ومصعدة إلى غيرها ، وفتكوا بأهل السواد فتكات متواليات ، وهجموا على العتابيين فحفظوا أبواب المحلة ، ودخلوا إلى دور عيونها فأخذوا ما فيها وما في موازين المتعيشين ، فتقدم الخليفة إلى إخراج أتراك دارية لقتالهم ، فخرجوا وحاصروهم في الأجمة خمسة عشر يوما ، ثم إن العيارين نزلوا في سفن وانحدروا إلى شارع دار الرقيق دخلوا المحلة ، وأقبلوا منها إلى الصحاري وقصد أعيانهم دار الوزير ابن صدقة بباب العامة في ربيع

[ ص: 186 ]

الأول وأظهروا التوبة ، وخرج فريق منهم لقطع الطريق ، فقتلهم أهل السواد بأوانا ، وبعثوا رءوسهم إلىبغداد .

وفي ربيع الأول: ورد القاضي أبو جعفر عبد الواحد بن أحمد الثقفي قاضي الكوفة والبلاد الميزيدية ، وكان دبيس الملقب بسيف الدولة نفذ به إلى الأمير إيلغازي بن أرتق ، فخطب منه ابنته فزوجه بها ونقلها إليه ، فوردت صحبة أبي جعفر الحلة .

ووقعت الخصومة بين السلطان محمود وأخيه مسعود ابني محمد ، وكان مسعود هو العاصي عليه فتلطفه محمود فلم يصلح ، وقامت الحروب في ربيع الأول فانحاز البرسقي إلى محمود ، وانهزم مسعود وعسكره ، واستولى على أموالهم ، وقصد مسعود جبلا بينه وبين موضع الوقعة اثنا عشر فرسخا فأخفى نفسه وأنفذ بركابي إلى المعسكر يطلب الأمان ، فحضر بين يدي السلطان فقال له: يا سلطان العالم إن من السعادة أن أخاك لم يجد مهربا عنك ، وقد نفذ يطلب الأمان وعاطفتك ، أجل متوسل به إليك ، فقال له: وأيان هو؟ قال: في مكان كذا ، فقال السلطان: ما نويت غير هذا ، وهل إلا العفو والإحسان . واستدعى البرسقي ، وقال له: تمضي إلى أخي وتؤمنه وتستدعيه .

واتفق بعد انفصال الركابي أنه ظفر يونس بن داود البلخي بمسعود فاحتال عليه ، وقيل له: إن حملته إلى أخيه فربما أعطاك ألف دينار أو أقل ، وإن حملته إلى دبيس أو إلى الموصل وصلت إلى ما شئت ، فعول على ذلك فجاء البرسقي فلم يره ، فسار خلفه فلحقه على ثلاثين فرسخا ، فأخذه وعرفه أمان أخيه له وأعاده إلى العسكر ، وخرج الأعيان فاستقبلوه ، ونزل عند أمه ، ثم جلس السلطان محمود فدخل إليه ، فقبل الأرض بين يديه ، فضمه إليه وقبل بين عينيه وبكى كل واحد منهما ، فكان هذا من محاسن أفعال محمود .

ولما بلغ عصيان مسعود إلى سيف الدولة دبيس أخذ في أذية بغداد ، وحبس مال السلطان ، وورد أهل نهر عيسى ونهر الملك مجفلين إلى بغداد بأهاليهم ومواشيهم فزعا من سيف الدولة ، لأنه بدأ بالنهب في أطرافهم ، وعبر عنان صاحب جيشه فبدأ [ ص: 187 ] بالمدائن فعسكر بها ، وقصد يعقوبا وحاصرها ، ثم أخذها عنوة ، وسبيت الذراري ، وافترشت النساء .

وكان سيف الدولة يعجبه اختلاف السلاطين ويعتقد أنه ما دام الخلاف قائما بينهم فأمره منتظم ، كما استقام أمر والده صدقة عند اختلاف السلاطين ، فلما بلغه كسر مسعود ، وخاف مجيء محمود أمر بإحراق الأتبان والغلات ، وأنفذ الخليفة إليه نقيب الطالبيين أبا الحسن علي بن المعمر فحذره وأنذره ، فلم ينفع ذلك فيه ، وبعث إليه السلطان بالتسكين ، وأنه قد أعفاه من وطء بساطه ، فلم يهتز لذلك ، وتوجه نحو بغداد في جمادى الآخرة فضرب سرادقه بإزاء دار الخلافة من الجانب الغربي ، وبات أهل بغداد على وجل شديد وتوفيت والدة نقيب الطالبيين فقعد في الكرخ للعزاء بها ، فمضى إليه سيف الدولة فنثر عليه أهل الكرخ ، وتهدد دار الخلافة ، وقال: إنكم استدعيتم السلطان فإن أنتم صرفتموه ، وإلا فعلت وفعلت ، فنفذ إليه أنه لا يمكن رد السلطان بل نسعى في الصلح فانصرف دبيس ، فسمع أصوات أهل باب الأزج يسبونه ، فعاد وتقدم بالقبض عليهم فأخذ جماعة منهم وضربوا بباب النوبي ، ثم انحدر ، ثم دخل السلطان محمود في رجب وتلقاه الوزير أبو علي بن صدقة ، وخرج إليه أهل باب الأزج ، فنثروا عليه الدنانير وفوضت شحنكية بغداد إلى برنقش الزكوي .

التالي السابق


الخدمات العلمية