الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم دخلت سنة ثمان وعشرين وخمسمائة

فمن الحوادث فيها:

أنه في المحرم قتل رجل يقال (له علي الحمامي زوجته لأمر اتهمها به وهرب .

وخلع على إقبال الخادم خلع الملوك ، ولقب ملك العرب سيف الدولة ، فركب بالخلع فحضر الديوان فقرئ عليه منشور ونثر عليه دنانير .

ووقع الاتفاق مع زنكي بن آقسنقر ، ووصلت رسله بالحمل والهدايا .

وعزل أنوشروان بن خالد عن الوزارة من غير أن يؤذي بسبب بل نزل في سفينة بعد العتمة وصعد إلى داره بالحريم ، وأعيد إليها أبو القاسم بن طراد .

وقبض على نظر الخادم وحبس في سرداب واستصفيت أمواله .

وفي ربيع الأول من هذه السنة: خلع على الوزير ابن طراد خلع الوزارة وزيد في مركب الفرس طوقا وأعطى ثلاثة عشر عملا كوسات وأعماما ومهدا وركب إلى الديوان .

وفي جمادى الأولى: بعث القاضي الهيتي رسولا إلى زنكي إلى الموصل ، وعاد في جمادى الآخرة وبين يديه فرس ومركب ذهب خلعه عليه زنكي . [ ص: 283 ]

وقدم رسول سنجر فخلع عليه وهيئت خلع لسنجر بمائة ألف ونيف وعشرين ألف دينار ، فرحل بها ابن الأنباري مع رسول سنجر في جمادى الآخرة ، ثم بعث المسترشد إلى بهروز الخادم إلى القلعة يقول له: أنت مقيم ومعك الأموال ، فينبغي أن تعطينا منها شيئا نفرقه على العسكر ، فأبى ، فبعث إليه عسكرا فحاصره ووقع القتال في أول شعبان ، ثم صانع بإنفاذ مال .

وفي هذه الأيام حبس محمود المولد في ممطورة ، واتهم بأنه يكتب ملطفات .

وقدم البقش السلاحي طالبا للخدمة مع المسترشد ، وهو من أكابر الأتراك ، وخلع الخليفة على جميع الأمراء ثم عرض العسكر يوم عيد الفطر ونودي: لا يختلط بالعساكر أحد من العوام ، ومن ركب بغلا أو حمارا في هذا اليوم أبيح دمه فما تجاسر أحد أن يفعل ذلك ، وخرج الوزير شرف الدين وصاحب المخزن وقاضي القضاة ونقيب النقباء وأرباب الدولة في زي لم ير مثله من الخيل المجفجفة ، والعسكر اللابس والعدة الحسنة ، وكل أمير يقبل في أصحابه بخلعة الخليفة فكان العسكر خمسة عشر ألف فارس سوى من كان غائبا عن البلد ، ولم ير عيد خرج فيه أرباب المناصب إلا هذا .

وفي حادي عشر شوال: وقع حريق في خان السلسلة الذي عند باب دار الخليفة ، فتلف مال لا يحصى ، وسببه أن الخاني طبخ فعلقت النار بشيء وهو لا يعلم ، فلما علم ظن أنه لا يقدر على إطفائه فلم يفتح الباب لأحد فاستوعب النار الكل . [ ص: 284 ]

وفي هذه السنة: عاد طغرل إلى همذان ، ومالت العساكر إليه ، وتوطد له الملك وانحل أمر أخيه مسعود ، وكان السبب أن الخليفة بعث بخلع إلى خوارزم شاه فأشار دبيس على طغرل فقال: الصواب أن تأخذ هذه الخلع وتظهر أن الخليفة قد نفذها لنا فلا يبقى مع مسعود أحد ، وبعث الخليفة: إلى مسعود يستحثه على المجيء ليرفع منه ، فدخل أصبهان في زي التركمان ، وخاطر إلى أن دخل بغداد في نحو ثلاثين فارسا ، فبعث إليه التحف الكثيرة ، ووجدت ملطفات مع قوم إلى طغرل فاستكشف الوزير الحال ، فإذا هي جواب مكتوب قد كتبه طغرل إلى الأمراء الذين مع الخليفة ، وقد نفذ لهم خاتمه ، فلما وقف على ذلك الخليفة قبض على أحد الأمراء فهرب البقية إلى السلطان مسعود ورموا أنفسهم بين يديه ، وقالوا: نحن عبيدك ، فإذا خذلتنا قتلنا الخليفة ، فبعث الخليفة يطلبهم فقال: قد اجتمعوا بي فلا أسلمهم ، فقال أمير المؤمنين: إنما أفعل هذا لأجلك وأنصبك نوبة بعد نوبة . ووقع الاختلاف بينهما واختلط العسكر ومدوا أيديهم إلى أذى المسلمين ، وتعذر المشي في الحال ، فبعث إليه الخليفة يقول له: تنصرف إلى بعض الجهات وتأخذ العسكر الذين صاروا إليك ، فرحل يوم الاثنين رابع عشرين ذي الحجة والقلوب غير طيبة ، فأقام بدار الغربة .

وتواترت الأخبار بتوجه طغرل إلى العراق ، فلما كان يوم السبت سلخ ذي الحجة نفذ الخليفة إلى مسعود الخلع والطوق والتاج وتخوت ثياب وتحف بثلاثين ألف دينار ، وصحبها النقيبان ومرتجى الخادم ، فلما وصلت الخلع إليه أقام ولم يرحل .

وفي هذا الشهر: نقضت دار خواجا بزرك على شاطئ دجلة في مشرعة درب زاخل ، ونقلت آلتها إلى دار الخليفة .

التالي السابق


الخدمات العلمية