الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 75 ] 87 - باب بيان مشكل ما روي عنه عليه السلام من قوله : من كسر أو عرج فقد حل وعليه حجة أخرى

615 - حدثنا ابن مرزوق ، حدثنا أبو عاصم النبيل ، عن الحجاج الصواف ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن عكرمة ، عن الحجاج بن عمرو الأنصاري قال : سمعت النبي عليه السلام يقول : من عرج أو كسر فقد حل وعليه حجة أخرى .

[ ص: 76 ]

616 - وحدثنا ابن خزيمة ، حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري ، أخبرني الصواف ، أخبرني يحيى ، عن عكرمة ، عن الحجاج قال : سمعت النبي عليه السلام يقول : .... فذكر مثله وزاد ، قال : فحدثت بذلك أبا هريرة وابن عباس ، فقالا : صدق .

617 - وحدثنا إبراهيم بن أبي داود ، حدثنا يحيى الوحاظي ، حدثنا معاوية بن سلام ، عن يحيى ، عن عكرمة قال : قال عبد الله بن رافع مولى أم سلمة : أنا سألت الحجاج بن عمرو ، عن من حبس وهو محرم ؟ فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من عرج أو كسر فقد حل وعليه حجة أخرى قال : فحدثت بذلك ابن عباس وأبا هريرة فقالا : صدق .

[ ص: 77 ] فقال قائل : كيف تقبلون هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن كسر أو عرج لا يخلو من أحد وجهين : أن يكون محصرا بذلك ، أو غير محصر به ، فإن كان محصرا به فحكم المحصر هو كما قال الله تعالى : فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي إلى قوله : أو نسك ، وإن كان بذلك غير محصر بقي على حرمه ولم يحل من شيء من ذلك ، فهذا الحديث أهل العلم جميعا على خلافه .

فكان جوابنا له في ذلك أن هذا الحديث ليس أهل العلم جميعا على خلافه كما ذكر ، إذ كان أهل العلم في الإحصار الذي له حكم الإحصار المذكور في كتاب الله تعالى على مذهبين : وأحدهما : أن ذلك الإحصار هو بكل حابس يحبس على النفوذ إلى البيت ، وممن كان يذهب إلى ذلك منهم : ابن مسعود وابن عباس وابن الزبير .

كما حدثنا ابن مرزوق ، حدثنا بشر بن عمر الزهراني ، حدثنا شعبة ، عن الحكم ، عن إبراهيم ، عن عبد الرحمن بن يزيد قال : أهل رجل من النخع بعمرة يقال له : عمير بن سعيد ، فلدغ ، فبينا هو صريع في الطريق ، إذ طلع عليهم ركب فيهم ابن مسعود فسألوه فقال : ابعثوا بالهدي واجعلوا بينكم وبينه يوم أمارة ، فإذا كان ذلك فليحل ، قال الحكم : وقال عمارة بن عمير : وكان حسبك به ، عن عبد الرحمن بن يزيد أن ابن مسعود قال : وعليه العمرة من قابل ، قال شعبة : وسمعت سليمان يعني الأعمش ، حدث به مثل ما حدث به الحكم سواء .

[ ص: 78 ] وكما حدثنا به محمد بن زكريا بن يحيى أبو شريح وعبد الله بن محمد بن أبي مريم قالا : حدثنا الفريابي ، حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، فإن أحصرتم ، قال : من حبس أو مرض ، قال إبراهيم : فحدثت به سعيد بن جبير ، فقال : هكذا قال ابن عباس .

وكما حدثنا محمد بن الحجاج الحضرمي ونصر بن مرزوق قالا : حدثنا الخصيب بن ناصح ، حدثنا وهيب بن خالد ، عن إسحاق بن سويد قال : سمعت عبد الله بن الزبير ، وهو يخطب يقول : يا أيها الناس ألا إنه والله ما التمتع بالعمرة إلى الحج كما تصنعون ، ولكن التمتع بالعمرة إلى الحج أن يخرج الرجل حاجا فيحبسه عدو أو مرض أو أمر يعذر به حتى تذهب أيام الحج ، أو قال : تمضي أيام الحج ، إسحاق شك ، فيأتي البيت فيطوف به ويسعى بين الصفا والمروة ويتمتع بحله إلى العام المقبل فيحج ويهدي ، فهذا أحد المذهبين .

[ ص: 79 ] والمذهب الآخر أن ذلك الإحصار لا يكون إلا بالعدو خاصة ، ثم أهل العلم من بعد ، فطائفة منهم على المذهب الأول ، منهم : أبو حنيفة والثوري وسائر فقهاء الكوفة ، وطائفة على المذهب الثاني : منهم مالك والشافعي وسائر فقهاء الحجاز .

فكان فيما ذكرنا أن الحديث الذي رويناه في أول هذا الباب ليس كما ذكر هذا القائل من خلاف العلماء جميعا إياه .

فقال هذا القائل : فما معنى الكلام الذي فيه فقد حل ، وهم جميعا لا يقولون يحل إلا لمعنى باللغة بعد ذلك ، مما قد ذكرته في هذا الباب .

فكان جوابنا له في ذلك : أن ذلك الكلام كلام عربي صحيح ، وإنما المعنى فيه عندنا والله أعلم ، أي : فقد حل له أن يحل بما يحل به مما هو فيه من الإحرام كما يقال للمرأة إذا طلقت بعد دخول مطلقها بها فانقضت عدتها : قد حلت للأزواج ليس على معنى [ ص: 80 ] أنها قد حلت لهم كحل نسائهم اللاتي في عقود نكاحهم لهم ، ولكن قد حلت لهم بتزويج بالعقدية عليها حتى تعود بعده حلالا لهم كحل نسائهم اللاتي في عقود نكاحهم لهم حتى تعالى ذلك إلى قول الله تعالى ، وهو قوله جل ثناؤه : فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ليس أنها إذا نكحت زوجا غيره تعود حلالا له ، ولكنها تعود إلى حال يحل له فيها استئناف عقد النكاح عليها حتى تكون حلالا له ، فمثل ذلك قوله عليه السلام : من كسر أو عرج فقد حل ليس ذلك على أنه قد حل حلا خرج به من حرمه ، ولكنه سبب حل له به أن يفعل فعلا يخرج به من حرمه فقد عاد بما قد ذكرنا ما قد رويناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما وجدنا إلى أن لا استحالة فيه ولا خروج عن أقوال أهل العلم جميعا عنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية