[ ص: 323 ]  57 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله عليه السلام فيما كان منه في هديته إلى النجاشي  ومن وعده بها  أم سلمة  إن رجعت إليه بموت النجاشي  قبل وصولها إليه ، ومن إعطائه بعد رجوعها إليه  أم سلمة  بعضها وسائر نسائه سواها بقيتها 
 347  - حدثنا  يونس  ، حدثنا  ابن وهب  قال : وحدثني  مسلم بن خالد  ، عن  موسى بن عقبة  ، عن أمه  ، عن أم كلثوم  ابنة أبي سلمة  قالت : { لما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم  أم سلمة  قال لها : إني قد أهديت إلى النجاشي  أواقي من مسك ، وحلة ، وإني لا أراه إلا قد مات ، ولا أرى الهدية التي أهديت إليه إلا سترد إلي ، فإذا ردت إلي فهو لك ، فكان كما قال : هلك النجاشي  ، فلما ردت الهدية أعطى كل امرأة من نسائه وقية من ذلك المسك ، وأعطى الباقي  أم سلمة  ، وأعطاها الحلة   } . 
 [ ص: 324 ] 
 348  - حدثنا  الربيع المرادي  ، حدثنا  أسد  ، حدثنا  مسلم بن خالد  ، فذكر مثله . 
فأنكر منكر هذا الحديث ، وقال : ما فيه من قول رسول الله عليه السلام في النجاشي   : " لا أراه إلا قد مات " . قد دفعه ما كان من إخبار رسول الله عليه السلام الناس بموته في اليوم الذي كان موته فيه ، وصلاته لهم عليه . وذكر في ذلك : 
 349  - ما قد حدثنا  يونس  ، حدثنا  ابن وهب  ، عن  ابن جريج  ، عن  عطاء  قال : سمعت  جابرا  يقول : قال النبي عليه السلام : { قد توفي اليوم رجل صالح من الحبش  أصحمة  ، فهلم فقوموا فصلوا عليه ، قال : فصففنا فصلى عليه النبي عليه السلام   } . 
قال  أبو جعفر   : أصحمة  لفظة بالحبشية ، تفسيرها عطية ، وهي اسم هذا الرجل . 
 [ ص: 325 ] 
 350  - وما قد حدثنا  يونس  ، حدثنا  ابن وهب  ، حدثني  مالك  ، عن  ابن شهاب  ، عن  ابن المسيب  ، عن  أبي هريرة   : { أن رسول الله عليه السلام نعى للناس النجاشي  في اليوم الذي مات فيه ، خرج بهم إلى المصلى ، فصف بهم ، وكبر عليه أربع تكبيرات   } . 
 351  - وما قد حدثنا  يونس  ، حدثنا  ابن وهب  ، أخبرني  يونس  ، عن  ابن شهاب  ، أخبرني  ابن المسيب  ،  وأبو سلمة  ،  وأبو أمامة بن سهل  ، عن رسول الله عليه السلام مثله . ولم يذكر  أبا هريرة  ولا غيره . 
 352  - وما قد حدثنا  إبراهيم بن أبي داود  ، حدثنا  عبد الله بن صالح  ، حدثني  الليث  ، حدثني  عقيل  ، عن  ابن شهاب  ، أخبرني  سعيد بن المسيب  ،  وأبو سلمة  ، عن  أبي هريرة  ، { عن رسول الله عليه السلام : أنه نعى لهم النجاشي  صاحب الحبشة  في اليوم الذي مات فيه ، وقال : استغفروا لأخيكم   } . 
 [ ص: 326 ] 
 353  - وما قد حدثنا  إبراهيم  ، حدثنا  عبد الله  ، حدثني  الليث  ، حدثني  عقيل  ، عن  ابن شهاب  ، أخبرني  ابن المسيب   : أن  أبا هريرة  حدثه : { أن رسول الله عليه السلام صف بهم بالمصلى ، وكبر عليه - يعني النجاشي   - أربع تكبيرات   } . 
ففي ذلك وقوفه على موت النجاشي  في اليوم الذي كان موته فيه ، فكيف يجوز أن يقول لما قد وقف على حقيقته لا أراه إلا قد كان . 
قال : ويدفعه أيضا ما قد ذكر فيه من وعد رسول الله عليه السلام  أم سلمة  بالهدية إن ردت إليه ، وأنه لما ردت إليه أعطاها بعضها ومنعها من بقيتها ، وفي ذلك خلفه بعض ما وعدها به ، وحاش لله أن يكون ذلك من أخلاقه ؛ لأن مواعيده عليه السلام قد كانت تجري بخلاف ذلك حتى كان أبو بكر  ينجزها عنه بعد وفاته عليه السلام . 
فمما قد روي في ذلك : 
 354  - ما قد حدثنا ابن أبي عقيل  ، حدثنا  ابن عيينة  ، عن  محمد بن المنكدر  ، عن {  جابر  قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو قد جاءنا مال البحرين  لأعطيتك هكذا وهكذا وهكذا ، فلم يأت مال البحرين  حتى قبض رسول الله } صلى الله عليه وسلم ، فلما قدم مال البحرين  قال  أبو بكر   : من كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم  [ ص: 327 ] دين أو عدة فليأتنا . قال  جابر   : فأتيته فقلت : إن النبي عليه السلام وعدني أن يعطيني هكذا ، فأعطاني أبو بكر  ، ثم أتيته بعد أسأله فلم يعطني ، ثم أتيته فسألته فلم يعطني ، ثم أتيته الثالثة فقلت : قد سألتك فلم تعطني ، ثم سألتك فلم تعطني ، فإما أن تعطيني ، وإما أن تبخل عني . قال : وأي داء أدوأ من البخل ؟ ما منعتك من شيء إلا وأنا أريد أن أعطيك   . 
 355  - وما قد حدثنا ابن أبي عقيل  ، حدثنا  سفيان  ، عن  عمرو  ، عن  أبي جعفر محمد بن علي  ، عن  جابر  مثله قال : وحثا لي حثية ، ثم قال : عدها ، فعددتها ، فوجد بها خمس مائة . قال : خذ مثلها مرتين . 
 356  - وما قد حدثنا  يزيد بن سنان  ، حدثنا  أبو عاصم  ، أخبرنا  ابن جريج  ، أخبرني  ابن المنكدر  ، عن  جابر   .  وعمرو بن دينار  ، عن  محمد بن علي  ، عن  جابر  قال : لما توفي رسول الله عليه السلام وكان أبو بكر  قال عمرو   : وكان له أول مال أتاه من قبل  العلاء بن الحضرمي  ، فقال  أبو بكر   : من كان له على رسول الله عليه السلام دين أو كانت له عنده  [ ص: 328 ] عدة فليأتنا قال جابر   : فقلت : أنا وعدني رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا وهكذا وهكذا ، ثلاث مرات ، وبسط جابر  كفيه فعد لي أبو بكر  خمس مائة ، وخمس مائة ، وخمس مائة   . قال هذا المنكر : وإذا كانت مواعيد رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته واجبا على ولي أمره بعد وفاته إمضاؤها ، كان هو عليه السلام بذلك في حياته أولى . 
فكان جوابنا له في ذلك أن الذي ذكره من إخبار رسول الله عليه السلام الناس بحقيقة موت النجاشي  في اليوم الذي كان موته فيه كما ذكر . 
غير أنه قد يجوز أن يكون قبل ذلك لما تأخر عنه أمر هديته ، وانقطعت عنه أخبار النجاشي  فيها ، وقع بقلبه عند ذلك ما يقع مثله في قلوب من سواه من بني آدم ، فيما قد كان مما قد جرت العادة فيه بخلافه ، ما ذكر في الحديث الأول الذي قد ذكرناه في أول هذا الباب ، ثم لما أطلعه الله على حقيقة موت النجاشي  في اليوم الذي كانت وفاته فيه ، كان منه ما أخبر الناس به مما ذكر في الفصل الثاني من هذا الباب ، وأما ما كان منه عليه السلام في إعطائه  أم سلمة  بعض الهدية التي ردت إليه ، وإعطائه بقيتها من سواها من أزواجه بعد تقدم وعده إياها بها كلها ، فإن ذلك مما قد يجوز أن تكون الهدية لما ردت إليه بذلها  لأم سلمة  كما كان وعدها بها ، ثم لم تقبلها إلا بإدخاله بقية نسائه معها فيها كراهية استئثارها عليهن ، كما كان من الأنصار  لما دعاهم ليقطع لهم من البحرين  ما أراد أن يقطعه لهم من ذلك فقالوا : لا نفعل حتى تقطع لإخواننا من المهاجرين  مثل الذي قطعته لنا من ذلك  [ ص: 329 ] كراهية الاستئثار عليهم مما قاله رسول الله عليه السلام لهم ، وسنذكر ذلك بإسناده فيما هو أولى به ، من هذا الموضع من كتابنا هذا إن شاء الله . فكان ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر  أم سلمة  يحتمل أن يكون على هذا المعنى ، وفي ذلك ما قد أوجب لها جلالة الرتبة ، وحسن الصحبة لصواحباتها من أزواج النبي عليه السلام . 
				
						
						
