الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 18 ] 3 - باب بيان مشكل ما روي عنه فيما يقال عند المساء مما لا يضر معه قائله لدغة حمة حتى يصبح

قال أبو جعفر : فمما روي في ذلك من حديث أبي صالح السمان الذي رواه عنه ابنه سهيل مما قد اختلف عليه فيمن ذكره في إسناده بعد أبيه ، فرواه بعضهم عنه أنه أبو هريرة

16 - كما حدثنا يونس ، حدثنا ابن وهب ، أخبرنا مالك ، عن سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة { أن رجلا من أسلم قال : ما نمت هذه الليلة ، فقال النبي عليه السلام : من أي شيء ؟ فقال : لدغتني عقرب ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما إنك لو قلت حين أمسيت : أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ، لم يضرك إن شاء الله } .

17 - ومن ذلك ما حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، حدثنا أبو حذيفة ، [ ص: 19 ] حدثنا سفيان الثوري ، عن سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : { جاء رجل إلى النبي عليه السلام ، فقال : إني لدغت البارحة ، فلم أنم حتى أصبحت ، فقال له : أما إنك لو قلت حين أمسيت : أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضر بك لدغة عقرب حتى تصبح } .

[ ص: 20 ]

18 - ومن ذلك ما حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن أبي داود ، حدثنا محمد بن المنهال ، حدثنا يزيد بن زريع ، حدثنا روح بن القاسم ، عن سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله مثل حديث يونس الذي رويناه في هذا الباب غير أنه لم يقل فيه : { إن شاء الله } .

ومثل حديث مالك

19 - حدثنا أحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن ، قال : قرأت على لوين ، عن حماد بن زيد ، عن سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة : { أن رجلا من أصحاب النبي عليه السلام لدغ ، فبلغ منه ما شاء الله فبلغ ذلك النبي فقال : أما إنه لو قال : أعوذ بكلمات الله التامة من شر ما خلق ثلاثا لم يضره } .

20 - ومن ذلك ما حدثنا أحمد أيضا ، أخبرنا محمد بن [ ص: 21 ] عبد الله بن المبارك ، أخبرنا يزيد ، أخبرنا هشام ، عن سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { من قال حين يمسي ثلاث مرات : أعوذ بكلمات الله التامة من شر ما خلق لم يضره لسعة تلك الليلة } .

21 - ومن ذلك ما حدثنا يونس ، حدثنا ابن وهب ، حدثنا جرير بن حازم ، عن سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي مثله ، وقال فيه : { ثلاث مرات } .

22 - ومن ذلك ما حدثنا أحمد بن شعيب ، أخبرنا محمد بن عثمان العقيلي ، حدثنا عبد الأعلى - يعني : السامي - عن عبيد الله بن عمر ، عن سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة : { أن رجلا من أصحاب النبي تغيب عنه ليلة ، فسأل عنه ، فلما أصبح أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ما حبسك ؟ قال : يا رسول الله ، لدغتني عقرب ، قال : لو قلت حين [ ص: 22 ] أمسيت : أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ثلاث مرات لم يضرك } .

23 - ومن ذلك ما حدثنا أحمد بن شعيب ، أخبرنا إبراهيم بن يوسف الكوفي ، حدثنا الأشجعي ، عن سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : { لدغت رجلا عقرب ، فجاء النبي ، فأخبره ، فقال له : أما إنك لو قلت حين أمسيت : أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يصبك شيء } .

غير أن الأشجعي قد خولف عن سفيان في شيء من إسناد هذا الحديث ، فقيل له مكان أبي هريرة : عن رجل من أسلم ، ونحن ذاكروه في بقية هذا الباب .

ومن ذلك من قد روى عن سهيل هذا الحديث ، عن رجل من أسلم .

24 - كما قد حدثنا عيسى بن إبراهيم الغافقي ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن سهيل ، سمع أباه يخبره { عن رجل من أسلم قال : كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فأتاه رجل من الأنصار ، فقال : لدغت البارحة ، فلم أنم حتى أصبحت ، [ ص: 23 ] قال النبي صلى الله عليه وسلم : أما إنك لو قلت حين أمسيت : أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ، ما ضارك إن شاء الله } .

25 - وكما حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، حدثنا وهب بن جرير ، حدثنا شعبة ، عن سهيل ، عن أبيه ، عن رجل من أسلم ، عن النبي عليه السلام أنه قال : { من قال حين يمسي : أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ثلاث مرات ، لم يضره حمة تلك الليلة } .

26 - وكما قد حدثنا فهد ، حدثنا أبو غسان ، حدثنا زهير بن معاوية ، عن سهيل ، عن أبيه { عن رجل من أسلم ، قال : كنت جالسا عند النبي عليه السلام ، فجاء رجل من أصحابه ، فقال : لدغت البارحة } ، ثم ذكر نحوه .

27 - وكما قد حدثنا أحمد بن داود ، حدثنا سهل بن بكار ، حدثنا أبو عوانة ، عن سهيل ، عن أبيه ، عن رجل من أسلم ، عن النبي ... ثم ذكر مثله .

[ ص: 24 ] وقد روى هذا الحديث أسد بن موسى ، عن شعبة ، عن سهيل ، وأخيه ، عن أبيهما ، عن رجل من أسلم .

28 - كما حدثنا الربيع المرادي ، حدثنا أسد . وحدثنا يونس ، حدثنا أسد ، حدثنا شعبة ، عن سهيل ، وأخيه ، عن أبيهما ، { عن رجل من أسلم : أنه لدغ ، فأتى النبي عليه السلام ... } ثم ذكر مثله .

وقد روى هذا الحديث عن سهيل وهيب بن خالد ، فخالفهم جميعا في إسناده .

29 - كما قد حدثنا أحمد بن شعيب ، أخبرنا إسحاق بن منصور ، أخبرنا حبان ، حدثنا وهيب ، عن سهيل ، عن أبيه ، عن رجل من أسلم ... ثم ذكر نحوه .

قال أبو جعفر : ولما اختلفوا علينا في إسناد هذا الحديث ، عن سهيل كما قد رويناه من اختلافهم عليه في هذا الباب ، طلبناه من غير رواية سهيل ، من حديث من رواه ، عن أبي صالح سواه ، وسوى أخيه ، لنقف بذلك على حقيقته ، هل هو عن أبي هريرة ، أو عن رجل من أسلم ؟

30 - فوجدنا يونس قد حدثنا ، قال : حدثنا ابن وهب ، أخبرني عمرو بن الحارث ، عن أبيه ، ويزيد بن أبي حبيب ، عن يعقوب بن عبد الله - يعني : ابن الأشج - عن القعقاع بن حكيم ، عن ذكوان أبي صالح ، [ ص: 25 ] عن أبي هريرة أنه قال : { جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، ما لقيت من عقرب لدغتني البارحة ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما إنك لو قلت حين أمسيت : أعوذ بكلمات الله من شر ما خلق ، لم يضرك } .

31 - ووجدنا بحر بن نصر قد حدثنا ، قال : حدثنا ابن وهب مثله .

32 - ووجدنا الربيع المرادي حدثنا ، قال : حدثنا شعيب بن الليث ، أخبرنا الليث ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن جعفر ، عن يعقوب أنه ذكر له أن أبا صالح مولى غطفان أخبر أنه سمع أبا هريرة يقول : قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : { لدغتني عقرب ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو أنك قلت حين أمسيت : أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضرك } .

فنسب أبا صالح في هذا الحديث في ولائه إلى غطفان ، وقد خولف في ذلك .

فذكر محمد بن سعد صاحب الواقدي في كتابه في " الطبقات " قال : وأبو صالح السمان مولى جويرية امرأة من قيس .

[ ص: 26 ] قال : وقد كنا ذكرنا في هذا الباب أن الأشجعي قد خولف عن سفيان في إسناده حديث سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة الذي قد رويناه فيما تقدم ، والذي خالفه فيه عن سفيان محمد بن يوسف .

33 - كما قد حدثنا أحمد بن شعيب ، أخبرنا إسحاق بن منصور ، أخبرنا محمد بن يوسف ، عن سفيان ، عن سهيل ، عن أبيه ، عن رجل من أسلم ، ثم ذكر نحو حديث الأشجعي .

وقد روى هذا الحديث أيضا ، عن أبي هريرة غير أبي صالح السمان ، وهو طارق بن مخاشن .

34 - كما قد حدثنا فهد ، حدثنا زيد بن عبد الله ، حدثنا بقية ، حدثني الزبيدي ، عن الزهري ، عن طارق بن مخاشن ، عن أبي هريرة ، { عن النبي عليه السلام : أنه أتي بلديغ لدغته عقرب ، فقال : لو قال : أعوذ بكلمات الله التامة من شر ما خلق ، لم يلدغ أو لم يضره } .

[ ص: 27 ] ولما وجدناه من رواية القعقاع ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، لا عن رجل من أسلم ، قوي في قلوبنا أن أصل هذا الحديث ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، لا عن رجل من أسلم ، وكان الذين في هذا الحديث لما صححت هذه الروايات فيه يرجع ما فيه إلى أن قائل هذه الكلمات المحفوظات فيه يكون بقوله إياها محفوظا حتى تنقضي تلك الليلة التي قالها فيها ، لا زيادة عليها ، غير أنا قد وجدنا عن رسول الله عليه السلام ما يزيد على ما يكون قائلها محفوظا بها من الزمان على ما في ذلك الحديث .

35 - وهو ما حدثنا يونس ، وبحر ، قالا : حدثنا عبد الله بن وهب ، أخبرني عمرو بن الحارث ، عن يزيد بن أبي حبيب ، والحارث بن يعقوب ، عن يعقوب بن عبد الله الأشج ، عن بسر بن سعيد ، عن سعد بن أبي وقاص ، عن خولة بنت حكيم السلمية أنها سمعت رسول الله عليه السلام يقول : { إذا نزل أحدكم منزلا ، فليقل : أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ، فإنه لا يضره شيء حتى يرتحل منه } .

[ ص: 28 ]

36 - وما قد حدثنا يونس ، حدثنا عبد الله بن يوسف الدمشقي ، حدثنا الليث بن سعد ، وكما قد حدثنا الربيع المرادي ، حدثنا شعيب ، حدثنا الليث ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن الحارث بن يعقوب : أن يعقوب بن عبد الله حدثه : أنه سمع بسر بن سعيد يقول : سمعت سعد بن أبي وقاص يقول :

سمعت خولة بنت حكيم السلمية تقول : إنها سمعت رسول الله عليه السلام يقول : { من نزل منزلا ، فقال : أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ، لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك } .

37 - وما قد حدثنا نصر بن مرزوق ، حدثنا الخصيب بن ناصح ، حدثنا وهيب بن خالد ، حدثنا ابن عجلان ، عن يعقوب بن عبد الله بن الأشج ، عن سعيد بن المسيب ، عن سعد بن مالك ، عن خولة بنت حكيم قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لو أن أحدكم إذا نزل منزلا ، قال : أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ، لم يضره في ذلك المنزل شيء حتى يرتحل منه } .

[ ص: 29 ] فخالف محمد بن عجلان الحارث بن يعقوب ، ويزيد بن أبي حبيب في من بعد يعقوب في إسناد هذا الحديث ، فقال : عن سعيد بن المسيب ، مكان قول الحارث فيه : عن بسر بن سعيد ، ولم يكن في هاتين الروايتين اللتين رويناهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يكون به قائل هذه الكلمات محفوظا بها فيه من الزمان ، وحاش لله أن يكون فيهما اختلاف ، ولكن تصحيحهما أن ما في حديث أبي هريرة على قول من هو مقيم في منزله غير مسافر .

وما في حديث خولة على قول من هو مسافر ، والمسافر مخفف عنه لمكان السفر ، مرفوع عنه طائفة من صلاته ، مخفف عنه في صيامه المفترض عليه ، مباح له تأخيره إلى خروجه من سفره ورجوعه إلى وطنه ، والمقيم ليس كذلك ، وكانت هذه الكلمات التي ذكرنا للمسافر مدفوعا عنه بها في وقت أوسع من الوقت الذي يدفع بها عن المقيم ما يدفع عن المسافر بها للتخفيف ، وعن المسافر في سفره الذي ليس للمقيم من التخفيف في إقامته مثله ، والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية