الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 101 ] 15 - باب بيان مشكل ما روي عنه عليه السلام في الشيطان أنه يجري من ابن آدم مجرى الدم وهل النبي عليه السلام كان في ذلك كمن سواه من الناس أو بخلافهم

106 - حدثنا فهد ، حدثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب ، عن الزهري ، حدثني علي بن حسين : { أن صفية زوج النبي عليه السلام أخبرته أنها جاءت النبي عليه السلام تزوره في اعتكافه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان ، فتحدثت عنده ساعة ، ثم قامت تنقلب ، وقام النبي صلى الله عليه وسلم معها يقلبها حتى إذا بلغت باب المسجد الذي عند باب أم سلمة مر بهما رجلان من الأنصار ، فسلما على النبي عليه السلام ، ثم نفذا فقال لهما النبي عليه السلام : على رسلكما ، إنها صفية بنت حيي ، فقالا : سبحان الله ، يا رسول الله ، وكبر ذلك عليهما ، فقال : إن الشيطان يبلغ من ابن آدم مبلغ الدم ، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما } .

107 - حدثنا أحمد بن شعيب ، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ، أخبرنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن علي بن [ ص: 102 ] حسين ، عن صفية بنت حيي ، ثم ذكر مثله .

108 - حدثنا عبد الله بن محمد بن حشيش البصري أبو الحسين ، حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس : { أن رسول الله عليه السلام كان مع إحدى نسائه مر به رجل فدعاه فقال : يا فلان ، إنها زوجتي فلانة ، فقال : يا رسول الله ، من كنت أظن به ، فإني لم أكن أظن بك ، فقال رسول الله عليه السلام : إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم } .

قال أبو جعفر : فكان فيما روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هذين الحديثين ما قد يحتمل أن يكون رسول الله عليه السلام قد كان في ذلك كمن سواه من الناس ، ويحتمل أن يكون كان فيه بخلافهم ، فتأملنا ما روي في هذا الباب من سوى هذين الحديثين ، هل فيه ما يدل على شيء من ذلك . ؟

[ ص: 103 ]

109 - فوجدنا فهدا قد حدثنا قال : حدثنا عبد الله بن رجاء . ووجدنا أبا أمية قد حدثنا قال : حدثنا عبيد الله بن موسى قالا : أخبرنا شيبان ، عن منصور ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن أبيه ، عن ابن مسعود ، عن النبي عليه السلام قال : { ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن ، فقيل : وإياك ، قال : وإياي ، ولكن الله أعانني عليه فأسلم ، فلا يأمرني إلا بخير } .

110 - ووجدنا فهدا قد حدثنا قال : حدثنا محمد بن سعيد بن الأصبهاني ، أخبرنا عيسى بن يونس ، عن مجالد ، عن الشعبي ، عن جابر قال : قال لنا النبي عليه السلام : { لا تدخلوا على المغيبات ؛ فإن الشيطان يجري من أحدكم مجرى الدم ، قيل : ومنك يا رسول الله ؟ قال : ومني ، ولكن الله أعانني عليه فأسلم } .

111 - ووجدنا إبراهيم بن أبي داود قد حدثنا قال : حدثنا سعيد بن أبي مريم ، أخبرنا يحيى بن أيوب ، حدثني عمارة بن غزية قال : سمعت أبا النضر يقول : سمعت عروة يقول : [ ص: 104 ] { قالت عائشة : فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة ، وكان معي على فراشي فوجدته ساجدا راصا عقبيه ، مستقبلا بأطراف أصابعه القبلة ، فسمعته يقول : أعوذ برضاك من سخطك ، وبعفوك من عقوبتك ، وبك منك ، لا أبلغ كل ما فيك ، فلما انصرف قال : يا عائشة ، أخذك شيطانك ؟ فقلت : أما لك شيطان ؟ قال : ما من آدمي إلا له شيطان ، فقلت : وأنت يا رسول الله ؟ قال : وأنا ، ولكني دعوت الله ، فأعانني عليه فأسلم } .

قال أبو جعفر : فوقفنا على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان في هذا المعنى كسائر الناس سواه ، وأن الله أعانه عليه فأسلم بإسلامه الذي هداه له حتى صار صلى الله عليه وسلم في السلامة منه بخلاف غيره من الناس فيمن هو معه من جنسه .

فإن قال قائل : فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الباب شيء مما يوجب أن يوقف على ارتفاع التضاد عنه ، وعما رويت مما قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم خص به من إسلام شيطانه ، لكي يسلم منه . وذكر في ذلك :

112 - ما حدثنا محمد بن خزيمة بن راشد البصري أبو عمرو ، وفهد قالا : حدثنا أبو مسهر ، حدثني يحيى بن حمزة ، حدثني ثور بن يزيد ، عن خالد بن معدان ، [ ص: 105 ] عن أبي الأزهر الأنماري { أن رسول الله عليه السلام كان إذا أخذ مضجعه من الليل قال : بسم الله وضعت جنبي ، اللهم اغفر ذنبي ، وأخسئ شيطاني ، وفك رهاني ، وثقل ميزاني ، واجعلني في الندي الأعلى } .

قيل له : هذا عندنا والله أعلم ، كان رسول الله عليه السلام قبل إسلام شيطانه ، فلما أسلم استحال أن يكون صلى الله عليه وسلم يدعو الله فيه بذلك مع إسلامه الذي هو عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية