الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 95 ] 13 - باب بيان ما أشكل علينا مما رويناه عن النبي عليه السلام من قوله : { وعلى المقتتلين أن ينحجزوا الأدنى فالأدنى ، وإن كانت امرأة }

100 - حدثنا محمد بن عبد الحكم ، قال : حدثنا بشر بن بكر ، عن الأوزاعي ، حدثني حصن ، عن أبي سلمة قال : حدثتني عائشة : أن رسول الله عليه السلام قال : { على المقتتلين أن ينحجزوا الأول فالأول ، وإن كانت امرأة } .

101 - حدثنا أبو زرعة النصري الدمشقي ، حدثنا محمد بن المبارك وهو الصوري ، حدثنا الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي ، حدثني حصن ، عن أبي سلمة ، عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { وعلى المقتتلين أن ينحجزوا الأول فالأول ، وإن كانت امرأة } .

سمعت أبا زرعة يقول : وحدثني سليمان - يعني : ابن عبد الرحمن - [ ص: 96 ] بهذا الحديث أيضا ، عن الوليد بن مسلم ، وزاد فيه قال : قال الأوزاعي : ليس لنساء عفو .

102 - وحدثنا محمد بن سنان الشيزري ، حدثنا عبد الوهاب بن نجدة الحوطي ، حدثنا الوليد بن مسلم ، ثم ذكر بإسناده مثله ، ولم يذكر ما حكاه لنا أبو زرعة عن سليمان في حديثه عن الأوزاعي في عفو النساء .

قال أبو جعفر : وقد كنا سألنا غير واحد من شيوخنا عن تأويل هذا الحديث ، فأما محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، فكان جوابه لنا في ذلك أن قال : قال الفريابي - يعني محمد بن يوسف - : سألت الأوزاعي عن تأويل هذا الحديث فقال : لا أدري ما هو ؟ قال محمد بن عبد الله : فإذا كان الذي روى هذا الحديث لا يدري ما تأويله ، كنا نحن بأن لا ندري ما تأويله أولى .

وأما إسماعيل بن يحيى المزني فقال : تأويله عندي والله أعلم أنه في المقتتلين من أهل القبلة على التأويل ، فإن البصائر ربما أدركت بعضهم فيحتاج من أدركته منهم إلى الانصراف من مقامه المذموم إلى المقام المحمود ، فإذا لم يجد طريقا يمر إليه فيه بقي في مكانه الأول ، وعساه يقتل فيه ، فأمروا بما في هذا الحديث لهذا المعنى .

وأما أحمد بن أبي عمران فكان جوابه في ذلك أن حكى عن أبي عبيد أنه كان يزعم أن هذا الحديث يحدث به الناس على خلاف [ ص: 97 ] ما هو عليه في الحقيقة ، ويذكر أنه بلغه عن الوليد بن مسلم أنه كان يحدث به عن الأوزاعي عن حصن ، عن أبي سلمة ، عن عائشة : أن النبي عليه السلام قال : { لأهل القتيل أن ينحجزوا الأدنى فالأدنى ، وإن كانت امرأة } .

قال أبو عبيد : وهذا الانحجاز هو العفو عن الدم ، وفي هذا الحديث ما قد دل على جواز عفو النساء عن الدم العمد ، كما يجوز عفو الرجال عنه ، كل هذا من كلام أبي عبيد .

[ ص: 98 ] قال أبو جعفر : فتأملنا نحن ذلك ، فوجدنا ما ذكره أبو عبيد من هذا وهما منه ، إذ كان أصحاب الوليد من أهل الشام الذين رووا هذا الحديث عنه هم الحجة في حديثه ، قد رووه عنه بخلاف ما بلغ أبا عبيد عنه أنه كان يحدثه فما رووا من ذلك أولى مما بلغه ، لا سيما ومعهم سماعهم إياه من الوليد ، وإنما معه هو بلاغه إياه عن الوليد ، وقد تابعهم على ذلك عن الأوزاعي بشر بن بكر ، فرواه عن الأوزاعي كما رووه عن الوليد عن الأوزاعي .

ولما انتفى ذلك لم يكن تأويله أحسن مما ذكرناه فيه عن المزني ، غير أن بعض الناس من أهل العلم قد ذكر أنه يدخل في ذلك أيضا المقتتلون من المسلمين في قتالهم أهل الحرب ، إذ كان قد يجوز أن يطرأ عليهم من أهل الحرب من معه العدد الذي يبيح لهم الانصراف عن قتاله إلى فئة المسلمين الذي يقوون بها على عدوهم ، فيقاتلونهم معهم ، وليس هذا التأويل ببعيد مما قال .

قال أبو جعفر : وقد ذكرنا في هذا الباب من قول الأوزاعي عقيبا لهذا الحديث : ليس للنساء عفو ، فدل ذلك على أن الأوزاعي قد كان عند هذا القول أن ذلك الحديث على نحو ما حكاه أبو عبيد بلاغا عن الوليد في العفو عن الدم ، ثم خالفه الأوزاعي بأن قال : ليس للنساء عفو .

التالي السابق


الخدمات العلمية