فصل في عذاب القبر
وكل معذب في الآخرة من كافر ، ومؤمن فإنه يميز بينه وبين من لا عذاب عليه عند نزول الملائكة عليه بقبض روحه ، وفي حال القبض وفي الموضع الذي يصار إليه روحه وبعدما يقبر قال الله عز وجل : ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ) الآية وما بعدها .
قال مجاهد : " ذلك عند الموت .
وقال في الكفار : ( ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم ، وأدبارهم ، وذوقوا عذاب الحريق ) .
أي يقولون لهم هذا تعريضا لهم إياهم أنهم يقدمون على عذاب الحريق ، وقال : ( ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت ، والملائكة باسطو أيديهم ) الآية .
فدلت هذه الآيات على أن الكفار يعنف عليهم في نزع أرواحهم ، وإخراج أنفسهم ويعرفون مع ذلك أنهم قادمون على الهون والعذاب الشديد كما يرفق بالمؤمنين ، ويبشرون بما هم قادمون عليه من الأمن والنعيم المقيم ، قال الله عز وجل : ( يثبت الله الذين آمنوا ) الآية [ ص: 608 ]
وروينا عن البراء بن عازب ، وأبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أن ذلك في المؤمن إذا سئل في قبره .
وكذلك روي عن عائشة رضي الله عنها ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وكذلك جاء في التفسير عن ابن عباس .
وقال الله تعالى : ( وحاق بآل فرعون سوء العذاب النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة ) الآية .
وقال مجاهد : " يعني بقوله ( يعرضون عليها غدوا وعشيا ) ما كانت الدنيا .
وقال قتادة : " يقال لهم : يا آل فرعون هذه منازلكم توبيخا وصغارا ونقمة [ ص: 609 ]
وقال في المنافقين : ( سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم ) .
وقال قتادة : " عذاب في القبر ، وعذاب في النار .
وقال فيمن أعرض عن ذكر الله : ( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى ) " .
وروينا عن أبي سعيد الخدري ، وأبي هريرة مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وموقوفا عليهما ، ثم عن ابن مسعود ، وابن عباس من قولهما أن ذلك في عذاب القبر .
وروينا عن عطاء في قوله : ( إذا لأذقناك ضعف الحياة ، وضعف الممات ) . [ ص: 610 ]
قال : " ضعف الممات عذاب القبر " .
وروينا عن ابن عباس في قوله : ( وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك ) .
قال : " عذاب القبر قبل عذاب يوم القيامة " .
وقد ذكرنا الأحاديث التي وردت في هذا الباب في كتاب عذاب القبر ما أغنى ذلك عن سياقها هاهنا لكنا نذكر مقدار ما يتبين به المقصود بالباب ، وبالله التوفيق " .


