الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ 189 ] أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا الحسن بن محمد بن إسحاق قال : سمعت أبا عثمان الخياط يقول : سمعت ذا النون يقول : " ثلاثة من علامات التوفيق : الوقوع في أعمال البر بلا استعداد له ، والسلامة من الذنب مع الميل إليه ، وقلة الهرب منه ، واستخراج الدعاء والابتهال ، وثلاثة من علامات الخذلان : الوقوع في الذنب مع الهرب منه ، والامتناع من الخير مع الاستعداد له ، وانغلاق باب الدعاء والتطوع .

قال البيهقي رحمه الله : " وقد روينا في هذه المسائل ما جاء في الأخبار ، والآثار في كتاب القدر . وأجبنا عما يحتجون به من الآيات والأخبار ، واقتصرنا على ما قلنا في هذا الكتاب نحو الاختصار ، وبالله التوفيق [ ص: 371 ]

ومما تحق معرفته في هذا الباب أن الله عز وجل لا يجب عليه شيء ، ولا علة لصنعة ، ولا يقال : لم فعل ؛ لأنه لو كان لفعله علة ، فإن كانت قديمة اقتضت قدم معلولها ، وذلك محال ، وإن كانت حادثة كانت لها علة أخرى ، ولتلك العلة علة أخرى حتى تؤدي إلى ما لا يتناهى ، وذلك محال ، وإن استغنت العلة عن العلة استغنى الحوادث عن العلة ، وذلك محال ، فدل أن ربنا عز وجل فعال لما يريد لا علة لفعله ، ولا معقب لحكمه ، وأنه علم في الأزل ما يكون من الحوادث بخلقه فقدره على ما لم يزل عالما به ، ثم خلقه على ما قدره فلا تبديل لحكمه ، ولا مرد لقضائه ، وفي الإيمان به وجوب التبري من الحول ، والقوة إلا إليه والاستسلام للقضاء ، والقدر بالقلب واللسان ، أما بالقلب : بأن لا يبطر ، ولا يأشر مما يجري به القضاء مما يوافقه ولا يأسف ، ولا يحزن لما يأتي به القضاء مما لا يوافقه .

وأما باللسان : فهو أن لا يفتخر بما يعجبه على غيره ، ولا ينسب ذلك إلى سبب يكون مرجعه إلى نفسه ، ولا يتضجر مما يسوءه فعل من يشكو أحدا أو ينسبه إلى ظلم أصابه من قبله لكن يضيف الأمرين إلى الله جل ثناؤه ، وينسبهما إلى فضله ، وقدره ويذعن ، ويستسلم لما يكرهه ، ويحمد الله على ما يسره :

قال البيهقي رحمه الله : " وقد روينا أحاديث ، وحكايات في الترغيب في الاستسلام للقضاء ، والقدر ، والتبري من الحول والقوة من ذلك " .

التالي السابق


الخدمات العلمية