الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ 291 ] أخبرنا أبو طاهر الفقيه ، أخبرنا أبو حامد بن بلال ، حدثنا يحيى بن الربيع المكي ، حدثنا سفيان ، عن الزهري ، عن أبي إدريس ، عن عبادة بن الصامت ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم في بيعة النساء : " تبايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ، ولا تسرقوا ، ولا تزنوا - يعني الآية كلها - فمن وفى منكم فأجره على الله ، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب فهو كفارته ، ومن أصاب من ذلك شيئا فستره الله عليه فهو إلى الله عز وجل إن شاء غفر له وإن شاء عذبه " أخرجاه في الصحيح ، من حديث سفيان بن عيينة [ ص: 467 ]

قال البيهقي رحمه الله : " قوله في بيعة النساء أراد كما في بيعة النساء ، وهو قوله عز وجل : ( يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ، ولا يسرقن ، ولا يزنين ، ولا يقتلن أولادهن ، ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ، ولا يعصينك في معروف ) .

وقوله : " من أصاب من ذلك شيئا فستره الله عليه " أراد به ما خلا الشرك كما أراد بقوله : " فعوقب به " ما خلا الشرك ، فجعل الحد كفارة ، لما أصاب من الذنب بعد الشرك ، وجعل ما لم يحد فيه موكولا إلى مشيئة الله عز وجل إن شاء غفر له ، وإن شاء عذبه ، ثم التعذيب لا يكون مؤبدا بدليل أخبار الشفاعة ، وما ورد في معناها من كتاب الله عز وجل .

فإن قيل : المعنى أنه يغفر الصغائر لمجتنب الكبائر ، ولا يغفرها لمن لا يجتنب الكبائر كما قال : في آية أخرى : ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما ) .

قيل : المراد بالكبائر التي شرط في المغفرة اجتنابها هي الشرك فهي في هذه الآية مطلقة ، وتكفير السيئات بها مطلقة ، وهما في الآية التي احتججنا بها في الموضعين جميعا مقيدتان فوجب الجمع بينهما ، وحمل المطلق على المقيد ، فإن قيل قد توعد أصحاب الكبائر بالنار والخلود فيها ، ولم يستثن منهم إلا التائبين [ ص: 468 ] فقال : ( ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ) إلى أن قال : ( إلا من تاب ) .

قيل : هذا الوعيد ينصرف إلى جميع ما تقدم ذكره ، فإن الله جل ثناؤه افتتح هذه الآية بذكر الشرك فقال : ( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ) فانصرف قوله : ومن يفعل ذلك إلى جميع ما تقدم ذكره ، ومن جمع بين هذه الكبائر استوجب هذا الوعيد ، والذي يدل على هذا أنه قال : ( يضاعف له العذاب ) .

وإنما أراد - والله أعلم - أن من جمع بين الشرك ، وغيره من الكبائر جمع عليه مع عذاب الشرك عذاب الكبائر فيصير العذاب مضاعفا عليه ، ثم قال : ( إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا ) فذكر في التوبة الإيمان والعمل الصالح ، وذلك ليحبط الإيمان كفره ، ويحبط إصلاحه في الإيمان ما تقدم من إفساده في الكفر كما روينا فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن قيل : وقد قال : ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها ) .

قيل : قد ذهب أهل التفسير إلى أن هذه الآية نزلت فيمن قتل وارتد عن الإسلام ، وذهب بعض أصحابنا إلى أن هذه الآية مقصورة على سببها " .

التالي السابق


الخدمات العلمية