الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ 270 ] قال : وأخبرنا ابن أبي الدنيا ، حدثنا سعدويه ، عن مبارك بن فضالة ، قال : [ ص: 434 ] سمعت الحسن يقول : " إن الله لا يجازي عبده المؤمن بذنوبه ، والله ما جازى الله عبدا قط بالخير ، والشر إلا هلك ، ولكن الله إذا أراد بعبد خيرا أضعف له الحسنات ، وألقى عنه السيئات .

قال الحليمي رحمه الله : " وإذا كان من المؤمنين من يكون أدنى إلى رحمة الله فيدخله الجنة بغير حساب ، فليس ببعيد أن يكون من الكفار من هو أدنى إلى سخط الله فيدخله النار بغير حساب .

قال البيهقي رحمه الله : " وقد قال الله عز وجل : ( ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون ) .

وقال : ( فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان ) .

( فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان ) .

( يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام ) .

وقال : ( احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم وقفوهم إنهم مسئولون ) .

وقال ( فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون ) ولا اختلاف بين هذه الآيات ووجه الجمع ما روينا عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس أنه قال : لا يسألهم عن عملهم كذا وكذا . ؛ لأنه أعلم بذلك منهم ولكن يقول : عملتم كذا وكذا " . [ ص: 435 ]

وروينا عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس في قوله : ( ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون ) .

يقول : " لا يسأل كافر عن ذنبه كل كافر معروف بسيماه " ، وفي قوله : ( فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان ) .

يعني : " يوم تشقق السماء وتكور لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان ، وذلك عند الفراغ من الحساب ، وكل معروف يعرف المجرمون بسيماهم ، أما الكافر فبسواد وجهه وزرقة عينيه ، وأما المؤمن فأغر محجل من أثر الوضوء " .

[ 271 ] أخبرنا أبو عبد الرحمن الدهان ، أخبرنا الحسين بن محمد بن هارون ، أخبرنا اللباد ، حدثنا يوسف بن بلال ، حدثنا محمد بن مروان ، عن الكلبي فذكره وقال الحليمي رحمه الله : " معنى قوله : ( ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون ، ) وقوله : ( فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان ) .

سؤال التعرف لتمييز المؤمن عن الكافر ، أي إن الملائكة لا تحتاج أن تسأل أحدا يوم القيامة فتقول : ما كان ذنبك ، وما كنت تصنع في الدنيا حتى يتبين له بأخباره عن نفسه أنه كان مؤمنا أو كافرا لكن المؤمنين يكونون ناضري الوجوه [ ص: 436 ] مشروحي الصدور ، والمشركين يكونون سود الوجوه ، زرقا مكروبين ، فهم إذا كلفوا سوق المجرمين إلى النار ، وتمييزهم في الموقف عن المؤمنين كفتهم مناظرهم عن تعرف ذنوبهم والله أعلم " وقال البيهقي رحمه الله : " وهذا الذي ذكره الحليمي أشبه أن يكون مأخوذا مما روينا عن تفسير الكلبي ، وبمعناه ذكر مقاتل بن سليمان في الآية الأخيرة غير أنه لم يذكر الفراغ من الحساب ، فقال : في قوله تعالى : ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون ذلك أن كفار مكة قالوا : لو أن عندنا ذكرا يعني خبرا من الأولين بم أهلكوا ، فأنزل الله عز وجل : ( ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون ) .

يقول : لا يسئل مجرمو هذه الأمة عن ذنوب الأمم الماضية الذين عذبوا في الدنيا ، فإن الله تعالى قد أحصى أعمالهم الخبيثة وعلمها " .

[ 272 ] أخبرنا الأستاذ أبو إسحاق ، حدثنا عبد الخالق بن الحسن ، أخبرنا عبد الله بن ثابت ، أخبرني أبي ، عن الهذيل ، عن مقاتل فذكره . [ ص: 437 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية