روى المدائني ، عن وابن عساكر رضي الله تعالى عنهما ، وغيره قال : ابن عباس قدم وفد بني عبد بن عدي فيهم الحارث بن وهبان وعويمر بن الأخرم ، وحبيب وربيعة ابنا ملة ومعهم رهط من قومهم .
فقالوا : يا محمد نحن أهل الحرم وساكنيه وأعز من به ، ونحن لا نريد قتالك ، ولو قاتلك غير قريش قاتلنا معك ، ولكنا لا نقاتل قريشا ، وإنا لنحبك ومن أنت منه ، وقد أتيناك فإن أصبت منا أحدا خطأ فعليك ديته ، وإن أصبنا أحدا من أصحابك فعلينا ديته إلا رجلا منا قد هرب فإن أصبته أو أصابه أحد من أصحابك فليس علينا ولا عليك . فقالعويمر بن الأخرم : دعوني آخذ عليه .
قالوا : لا ، محمد لا يغدر ولا يريد أن يغدر به . فقال حبيب وربيعة : يا رسول الله إن أسيد بن أبي أناس هو الذي هرب وتبرأنا إليك منه وقد نال منك . فأباح رسول الله صلى الله عليه وسلم دمه ، وبلغ أسيد أقوالهما لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتى الطائف فأقام به . فلما كان عام الفتح كان أسيد بن أبي أناس فيمن أهدر دمه . فخرج سارية بن زنيم إلى الطائف فقال له أسيد : ما وراءك ؟ قال : [ ص: 366 ] أظهر الله تعالى نبيه ونصره على عدوه فاخرج يا ابن أخي إليه فإنه لا يقتل من أتاه .
فحمل أسيد امرأته وخرج وهي حامل تنتظر ، وألقت غلاما عند قرن الثعالب وأتى أسيد أهله فلبس قميصا واعتم ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسارية قائم بالسيف عند رأسه يحرسه . فأقبل أسيد حتى جلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : يا محمد أهدرت دم أسيد ؟ قال : «نعم» قال : أتقبل منه إن جاء مؤمنا ؟ قال : «نعم» .
فوضع يده في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : هذه يدي في يدك أشهد أنك رسول الله وألا إله إلا الله . فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يصرخ أن أسيد بن أبي أناس قد آمن وأمنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومسح وجهه وألقى يده على صدره . ويقال إن أسيدا كان يدخل البيت المظلم فيضيء . وقال أسيد بن أبي أناس :
أأنت الذي تهدي معدا لدينها بل الله يهديها وقال لك اشهد فما حملت من ناقة فوق كورها
أبر وأوفى ذمة من محمد وأكسى لبرد الحال قبل ابتذاله
وأعطى لرأس السابق المتجرد تعلم رسول الله أنك قادر
على كل حي متهمين ومنجد تعلم بأن الركب ركب عويمر
هم الكاذبون المخلفو كل موعد أنبوا رسول الله أن قد هجوته
فلا رفعت سوطي إلي إذن يدي سوى أنني قد قلت ويل أم فتية
أصيبوا بنحس لا يطاق وأسعد أصابهم من لم يكن لدمائهم
كفيئا فعزت حسرتي وتنكدي ذؤيب وكلثوم وسلمى تتابعوا
جميعا فإن لا تدمع العين تكمد
فقال الشاعر : «بل الله يهديها وقال لك اشهد» . [ ص: 367 ]