الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              ذكر تأمير المسلمين خالد بن الوليد بعد قتل أمراء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهزمه المشركين ، وإعلام الله تعالى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفتح

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن إسحاق : ثم أخذ الراية ثابت بن أقرم أخو بني العجلان فقال : يا معشر المسلمين اصطلحوا على رجل منكم . فقالوا : أنت . قال : ما أنا بفاعل . فاصطلح الناس على خالد بن الوليد .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني عن أبي اليسر الأنصاري رضي الله تعالى عنه قال : أنا دفعت الراية إلى ثابت بن أقرم لما أصيب عبد الله بن رواحة فدفعت إلى خالد وقال [له ثابت بن أقرم] أنت أعلم بالقتال مني . قال ابن إسحاق : «فلما أخذ الراية خالد بن الوليد دافع القوم وحاشى بهم ثم انحاز وانحيز عنه وانصرف بالناس» .

                                                                                                                                                                                                                              هكذا ذكر ابن إسحاق أنه لم يكن إلا المحاشاة والتخلص من أيدي الروم الذين كانوا مع من انضم إليهم أكثر من مائتي ألف والمسلمون ثلاثة آلاف . ووافق ابن إسحاق على ذلك شرذمة . وعلى هذا سمي هذا نصرا وفتحا باعتبار ما كانوا فيه من إحاطة العدو وتراكمهم وتكاثرهم عليهم وكان مقتضى العادة أن يقتلوا بالكلية وهو محتمل لكنه خلاف الظاهر من قوله صلى الله عليه وسلم : «حتى فتح الله عليكم» .

                                                                                                                                                                                                                              والأكثرون على أن خالدا ومن معه رضي الله تعالى عنهم قاتلوا المشركين حتى هزموهم . ففي حديث أبي عامر عند ابن سعد أن خالدا لما أخذ [ ص: 151 ] اللواء «حمل على القوم فهزمهم الله أسوأ هزيمة رأيتها قط حتى وضع المسلمون أسيافهم حيث شاءوا» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني برجال ثقات عن موسى بن عقبة قال : ثم اصطلح المسلمون بعد أمراء رسول الله صلى الله عليه وسلم على خالد بن الوليد المخزومي فهزم الله تعالى العدو وأظهر المسلمين . وروى محمد بن عمر الأسلمي عن عطاف بن خالد لما قتل ابن رواحة مساء بات خالد بن الوليد ، فلما أصبح غدا وقد جعل مقدمته ساقته وساقته مقدمته وميمنته ميسرة وميسرته ميمنة ، فأنكروا ما كانوا يعرفون من راياتهم وهيئاتهم وقالوا وقد جاءهم مدد فرعبوا وانكشفوا منهزمين . قال : فقتلوا مقتلة لم يقتلها قوم . وذكر ابن عائذ في مغازيه نحوه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى محمد بن عمر عن الحارث بن الفضل رحمه الله تعالى : لما أخذ خالد بن الوليد الراية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الآن حمي الوطيس» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى القراب في تاريخه عن برذع بن زيد رضي الله تعالى عنه قال : اقتتل المسلمون مع المشركين سبعة أيام . وروى الحاكم في المستدرك عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهما وهذا الذي ذكره أبو عامر والزهري ، وعروة ، وابن عقبة ، وعطاف بن خالد ، وابن عائذ وغيرهم هو ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أنس : «ثم أخذ الراية سيف من سيوف الله ففتح الله على يديه» .

                                                                                                                                                                                                                              وفي حديث أبي قتادة رضي الله تعالى عنه مرفوعا كما سيأتي . ثم أخذ خالد بن الوليد اللواء ولم يكن من الأمراء ، هو أمر نفسه .

                                                                                                                                                                                                                              ثم رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبعه ، ثم قال : «اللهم إنه سيف من سيوفك فانصره» .

                                                                                                                                                                                                                              فمن يومئذ سمي خالد بن الوليد «سيف الله» ، رواه الإمام أحمد برجال ثقات ويزيده قوة ويشهد له بالصحة ما رواه الإمام أحمد ، ومسلم ، وأبو داود ، والبرقاني عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله تعالى عنه قال : «خرجت [مع من خرج] مع زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما في غزوة مؤتة ورافقني مددي من المسلمين من اليمن ، ليس معه غير سيفه . فنحر رجل من المسلمين جزورا فسأله المددي طائفة من جلد ، فأعطاه إياه فاتخذه كهيئة الدرقة ، ومضينا ولقينا جموع الروم فيهم رجل على فرس له أشقر ، عليه سرج مذهب وسلاح مذهب ، فجعل الرومي يغزو المسلمين ، فقعد له المددي خلف صخرة فمر به الرومي فعرقب فرسه بسيفه وخر الرومي فعلاه بسيفه فقتله وحاز سلاحه وفرسه . فلما فتح الله تعالى على المسلمين بعث إليه خالد بن الوليد فأخذ منه بعض السلب . قال عوف ، فأتيت خالدا وقلت له : أما [ ص: 152 ] علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل ؟ قال : بلى ولكني استكثرته . فقلت لتردنه أو لأعرفنكها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأبي أن يرد عليه . قال عوف : فاجتمعنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقصصت عليه قصة المددي وما فعل خالد ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما صنعت ؟ » قال : استكثرته . قال : «رد عليه ما أخذت منه» . قال عوف : دونكها يا خالد ألم أف لك ؟ [فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «وما ذاك ؟ » فأخبرته] . فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : «يا خالد لا ترد عليه هل أنتم تاركون أمرائي لكم صفوة أمرهم وعليهم كدره» .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية