الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب السادس والخمسون في سرية أبي عامر الأشعري رضي الله تعالى عنه إلى أوطاس بين غزوة حنين وغزوة الطائف

                                                                                                                                                                                                                              روى الجماعة عن أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه ، وابن إسحاق عن رجاله عن سلمة بن الأكوع ، وابن هشام عمن يثق به من أهل العلم ، ومحمد بن عمر ، وابن سعد عن رجالهم أن هوازن لما انهزموا يوم حنين ذهبت فرقة منهم فيهم رئيسهم مالك بن عوف النصري فلجئوا إلى الطائف فتحصنوا وصارت فرقة فعسكروا بمكان يقال له أوطاس : فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هذه ، سرية وأمر عليهم أبا عامر الأشعري رضي الله تعالى عنه . ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه الكريمة إلى الطائف فحاصرها ، وتقدم ذلك في غزوة الطائف . قال أبو موسى رضي الله تعالى عنه : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عامر الأشعري على جيش إلى أوطاس فلقي دريد بن الصمة ، فقتل دريد وهزم الله تعالى أصحابه .

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو موسى بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي عامر ، قال سلمة بن الأكوع رضي الله تعالى عنه ، وابن هشام رحمه الله تعالى : لما نزلت هوازن عسكروا بأوطاس عسكرا عظيما وقد تفرق منهم من تفرق وقتل من قتل وأسر من أسر فانتهينا إلى عسكرهم ، فإذا هم ممتنعون ، فبرز رجل معلم يبحث للقتال : فبرز له أبو عامر فدعاه إلى الإسلام ويقول اللهم اشهد عليه فقال الرجل : اللهم لا تشهدوا علي . فكف عنه أبو عامر فأفلت ثم أسلم بعد فحسن إسلامه فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رآه يقول : «هذا شريد أبي عامر» . وقال ابن هشام : ورمى أبا عامر أخوان : العلاء وأوفى ابنا الحارث من بني جشم بن معاوية فأصاب أحدهما قلبه والآخر ركبته فقتلاه .

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو موسى : رمي أبو عامر في ركبته رماه جشمي . وعند ابن عائذ ، والطبراني بسند حسن عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه : قتل ابن دريد بن الصمة أبا عامر قال ابن إسحاق : اسمه سلمة ولم أر له إسلاما .

                                                                                                                                                                                                                              وفي حديث سلمة أن العاشر ضرب أبا عامر فأثبته قال سلمة : فاحتملناه وبه رمق . وقال أبو موسى : فانتهيت إلى أبي عامر فقلت له : يا أبا عامر من رماك ؟ فأشار إلى أبي موسى وقال : ذاكه قاتلي الذي رماني . وفي حديث سلمة بن الأكوع أن أبا عامر أعلم أبا موسى أن قاتله صاحب العصابة الصفراء . قال أبو موسى : فقصدت له فلحقته فلما رآني ولى فاتبعته وجعلت أقول له : ألا تستحي ألا تثبت ؟ فكف فاختلفنا ضربتين بالسيف فقتلته . ثم قلت لأبي عامر : قتل الله صاحبك . قال : فانزع هذا السهم فنزعته ، فنزا منه الماء . فقال : يا ابن أخي أقرئ النبي صلى الله عليه وسلم . [ ص: 207 ]

                                                                                                                                                                                                                              السلام وقل له استغفر لي . قال أبو موسى : واستخلفني أبو عامر على الناس ، فمكث يسيرا ثم مات .

                                                                                                                                                                                                                              وفي حديث سلمة : وأوصى أبو عامر إلى أبي موسى ودفع إليه الراية وقال : ادفع فرسي وسلاحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقاتلهم أبو موسى حتى فتح الله تعالى عليه وانهزم المشركون بأوطاس وظفر المسلمون بالغنائم والسبايا ، وقتل قاتل أبي عامر وجاء بسلاحه وتركته وفرسه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : إن أبا عامر أمرني بذلك .

                                                                                                                                                                                                                              وفي حديث أبي موسى رضي الله تعالى عنه : «فرجعت فدخلت على النبي صلى الله عليه وسلم في بيته وهو على سرير مرمل وعليه فراش قد أثر رمال السرير بظهره وجنبيه فأخبرته بخبرنا وخبر أبي عامر ، وقال : قل له : استغفر لي ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء فتوضأ ثم رفع يديه فقال : «اللهم اغفر لعبيد أبي عامر» ورأيت بياض إبطيه ثم قال : «اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك من الناس» . فقلت : ولي فاستغفر فقال : «اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه وأدخله يوم القيامة مدخلا كريما» .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية