الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب الثاني : والأربعون في سرية غالب بن عبد الله الليثي رضي الله تعالى عنه إلى بني الملوح بالكديد في صفر سنة ثمان .

                                                                                                                                                                                                                              روى ابن إسحاق والإمام أحمد وأبو داود من طريق محمد بن عمر ، وابن سعد رحمهم الله تعالى عن جندب بن مكيث الجهني رضي الله تعالى عنه ، قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم غالب بن عبد الله الليثي ، ليث كلب بن عوف في سرية كنت فيهم ، وأمره أن يشن الغارة على بني الملوح بالكديد ، وهم من بني ليث . قال : فخرجنا حتى إذا كنا بقديد لقينا الحارث بن البرصاء [الليثي] فأخذناه فقال : إنما جئت أريد الإسلام وإنما خرجت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلنا لن يضرك رباط يوم وليلة إن كنت تريد الإسلام ، وإن يكن غير ذلك فنستوثق منك . قال : فشددناه وثاقا وخلفنا عليه رويجلا منا أسود ، يقال له سويد بن منحر ، وقلنا : إن نازعك فاحترز رأسه . ثم سرنا حتى أتينا الكديد عند غروب الشمس ، فكمنا في ناحية الوادي ، وبعثني أصحابي ربيئة لهم ، فخرجت حتى أتيت تلا مشرفا على الحاضر يطلعني عليهم حتى إذا أسندت فيه وعلوت رأسه انبطحت- وفي رواية : فاضطجعت على بطني- قال : فوالله إني لأنظر إذ خرج رجل منهم من خباء له ، فقال لامرأته : إني أرى على هذا التل سوادا ما رأيته عليه صدر يومي هذا؛ فانظري إلى أوعيتك لا تكون الكلاب جرت منها شيئا .

                                                                                                                                                                                                                              قال : فنظرت فقالت : والله ما أفقد من أوعيتي شيئا . فقال لامرأته : ناوليني قوسي ونبلي . فناولته قوسه وسهمين معها ، فأرسل سهما فو الله ما أخطأ به جنبي- ولفظ ابن إسحاق ، وابن سعد : بين عيني- قال : فانتزعته وثبت مكاني . ثم رمى بالآخر فخالطني به- ولفظ ابن إسحاق ، وابن سعد ، فوضعه في منكبي- فانتزعته فوضعته وثبت في مكاني . فقال لامرأته : والله لو كان ربيئة لقد تحرك بعد ، لقد خالطه سهمان لا أبا لك ، فإذا أصبحت فابتغيهما لا تمضغهما الكلاب .

                                                                                                                                                                                                                              قال : ثم دخل الخباء ، وراحت ماشية الحي من إبلهم وأغنامهم ، فلما احتلبوا وعطنوا واطمأنوا فناموا شننا عليهم الغارة فقتلنا المقاتلة وسبينا الذرية واستقنا النعم والشاء؛ فخرجنا نحدرها قبل المدينة حتى مررنا بابن البرصاء ، فاحتملناه واحتملنا صاحبنا ، وخرج صريخ القوم في قومهم فجاءنا ما لا قبل لنا به ، فجاءنا القوم حتى نظروا إلينا ما بيننا وبينهم إلا الوادي وهم موجهون إلينا؛ إذ جاء الله تعالى بالوادي من حيث شاء بماء يملأ جنبتيه ، وأيم الله ما رأينا قبل ذلك سحابا ولا مطرا ، فجاء بما لا يستطيع أحد أن يجوزه ، فلقد رأيتهم وقوفا ينظرون إلينا وقد أسندناها في المشلل [نحدرها] وفي لفظ في المسيل- وفتناهم [فوتا] لا يقدرون فيه على طلبنا ، ثم قدمن [ ص: 138 ]

                                                                                                                                                                                                                              المدينة ، وروى محمد بن عمر ، عن حمزة بن عمرو الأسلمي قال : كنت معهم وكنا بضعة عشر رجلا وكان شعارنا : أمت أمت .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية