الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب التاسع والخمسون في وفود ضمام بن ثعلبة إليه صلى الله عليه وسلم

                                                                                                                                                                                                                              روى الإمام أحمد والشيخان والترمذي والنسائي رحمهم الله تعالى من طريق سليمان ابن المغيرة عن ثابت ، والبخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن شريك بن عبد الله كلاهما عن أنس وأبو القاسم عبد الله بن محمد البغوي عن الزهري ، والإمام أحمد وابن سعد وأبو داود عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهم ، قال أنس في رواية ثابت : «نهينا في القرآن أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء كان يعجبنا أن نجد الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع» . وفي رواية شريك : «بينا نحن جلوس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم» ، وفي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه : «بينا النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه متكئا ، أو قال جالسا في المسجد إذ جاء رجل على جمل فأناخه في المسجد ثم عقله» وفي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : «بعث بنو سعد بن بكر ، ضمام بن ثعلبة وافدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم عليه وأناخ بعيره على باب المسجد ثم دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في أصحابه ، وكان ضمام رجلا جلدا أشعر ذا غديرتين فأقبل حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم» قال أنس في رواية شريك : «فقال : أيكم محمد ؟ » وفي حديث ابن عباس : «أيكم ابن عبد المطلب ؟ » والنبي صلى الله عليه وسلم متكئ بين ظهرانيهم ، فقلنا له : هذا الأبيض المتكئ» .

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية : «جاءهم رجل من أهل البادية فقال : أيكم ابن عبد المطلب ؟ قالوا : هذا الأمغر المرتفق . قال : فدنا منه وقال : إني سائلك فمشدد عليك- وفي لفظ- فمغلظ عليك- في المسألة ، فلا تجد علي في نفسك ، قال : «لا أجد في نفسي فسل عما بدا لك» قال أنس في رواية ثابت : فقال : يا محمد أتانا رسولك فقال لنا أنك تزعم أن الله تعالى أرسلك ؟ قال : «صدق» . قال : فمن خلق السماء ؟ قال : «الله» . قال : فمن خلق الأرض ؟ قال : «الله» . قال : فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل ؟ قال : «الله» .

                                                                                                                                                                                                                              وقال أبو هريرة وأنس في رواية شريك ، فقال . «أسألك بربك ورب من قبلك» ، وفي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : «فأنشدك الله إلهك وإله من قبلك وإله من هو كائن بعدك» ، وفي رواية عن أنس فقال : «فبالذي خلق السماء وخلق الأرض ونصب هذه الجبال» ، قال ابن عباس في حديثه : «آلله أمرك أن نعبده وحده ولا نشرك به شيئا وأن ندع هذه الأنداد التي كان آباؤنا يعبدون ؟ » قال : «اللهم نعم» . [ ص: 354 ]

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية ثابت عن أنس فقال : «فبالذي خلق السماء وخلق الأرض ونصب هذه الجبال»

                                                                                                                                                                                                                              وفي حديث أبي هريرة ورواية شريك عن أنس : «أسألك بربك ورب من قبلك ورب من بعدك آلله أرسلك إلى الناس كلهم ؟ » فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اللهم نعم» .

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية ثابت عن أنس قال : «وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا» . قال : «صدق» . قال : «فبالذي أرسلك» ، وفي رواية شريك عن أنس قال : «أنشدك بالله» .

                                                                                                                                                                                                                              وفي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : «فأنشدك الله إلهك وإله من كان قبلك وإله من هو كائن بعدك آلله أمرك أن تصلي هذه الصلوات الخمس ؟ قال : «اللهم نعم» .

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية ثابت عن أنس قال : « وزعم رسولك أن علينا زكاة في أموالنا» . قال : «صدق» .

                                                                                                                                                                                                                              وفي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : «أنشدك بالله آلله أمرك أن تأخذ من أموال أغنيائنا فترده على فقرائنا ؟ » فقال : «اللهم نعم» . قال : «فبالذي أرسلك» ،

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية شريك : «أنشدك الله آلله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا فتقسمها على فقرائنا ؟ » فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اللهم نعم» .

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية ثابت : «وزعم رسولك أن علينا صوم شهر في سنتنا» . قال : «صدق» . قال : «فبالذي أرسلك» ،

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية شريك : «وأنشدك الله آلله أمرك أن تصوم هذا الشهر من السنة ؟ »

                                                                                                                                                                                                                              وفي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه : «من اثني عشر شهرا ؟ » فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اللهم نعم» .

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية ثابت قال : «وزعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلا» . قال : «نعم» .

                                                                                                                                                                                                                              وفي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : «ثم جعل يذكر فرائض الإسلام فريضة فريضة فريضة الزكاة والصيام والحج وشرائع الإسلام كلها ينشده عن كل فريضة منها كما ينشده عن التي قبلها حتى إذا فرغ قال : فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله وسأؤدي هذه الفرائض وأجتنب ما تنهيني عنه ثم لا أزيد ولا أنقص» .

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية شريك : «آمنت بما جئت به وأنا رسول من ورائي من قومي ، وأنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر » . وفي حديث أبي هريرة : «وأما هذه الهناة فوالله إن كنا لنتنزه عنها في الجاهلية» .

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية ثابت : «ثم ولى فقال : والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهم ولا أنقص منهن شيئا» . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن صدق ليدخلن الجنة» . وفي حديث ابن عباس : «إن صدق ذو العقيصتين دخل الجنة» .

                                                                                                                                                                                                                              وفي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه : «فلما أن ولى قال [ ص: 355 ]

                                                                                                                                                                                                                              رسول الله صلى الله عليه وسلم : «فقه الرجل» .

                                                                                                                                                                                                                              وقال : «فكان عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يقول : «ما رأيت أحدا أحسن مسألة ولا أوجز من ضمام بن ثعلبة » . فأتى بعيره فأطلق عقاله ثم خرج حتى قدم على قومه فاجتمعوا إليه ، فكان أول ما تكلم به : بئست اللات والعزى . فقالوا : مه يا ضمام ! اتق البرص ، اتق الجذام ، اتق الجنون . فقال : «ويلكم» ! إنهما والله لا يضران ولا ينفعان ، إن الله قد بعث رسولا وأنزل عليه كتابا فاستنقذكم به مما كنتم فيه وإني أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله ، وقد جئتكم من عنده بما أمركم به وما نهاكم عنه» . قال :

                                                                                                                                                                                                                              «فوالله ما أمسى من ذلك اليوم في حاضره رجل أو امرأة إلا مسلما» . زاد ابن سعد : «وبنوا المساجد وأذنوا بالصلوات» . قال ابن عباس : فما سمعنا بوافد قوم كان أفضل من ضمام بن ثعلبة
                                                                                                                                                                                                                              .

                                                                                                                                                                                                                              تنبيهات

                                                                                                                                                                                                                              الأول : قال في البداية : وفي سياق حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنه ما يدل على أنه رجع إلى قومه قبل الفتح لأن العزى هدمها خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه أيام الفتح .

                                                                                                                                                                                                                              الثاني : قال أبو الربيع : اختلف في الوقت الذي وفد فيه ضمام هذا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقيل سنة خمس ذكره الواقدي وغيره ، وقيل سنة تسع ، والله أعلم أي ذلك كان .

                                                                                                                                                                                                                              الثالث : قوله : «أن يحج هذا البيت من استطاع إليه سبيلا» ، قال في الهدي : ذكر الحج في هذه القصة يدل على أن قدوم ضمام كان بعد فرض الحج ، وهذا بعيد ، والظاهر أن هذه اللفظة مدرجة من كلام بعض الرواة .

                                                                                                                                                                                                                              الرابع : في بيان غريب ما سبق :

                                                                                                                                                                                                                              ضمام : بضاد معجمة مكسورة فميمين بينهما ألف ، وهو الذي قال فيه طلحة بن عبيد الله : جاءنا أعرابي من أهل نجد ثائر الرأس يسمع دوي صوته ولا يفقه ما يقول حتى دنا فإذا هو يسأل عن الإسلام» . الحديث رواه مالك في الموطأ عن عمه عن جده عن طلحة . الجلد : بجيم مفتوحة فلام ساكنة فدال مهملة : صلب حديد .

                                                                                                                                                                                                                              الغديرة : بغين معجمة مفتوحة فدال مهملة مكسورة فتحتية ساكنة فراء فتاء تأنيث .

                                                                                                                                                                                                                              الأمغر : بفتح الهمزة وسكون الميم وفتح الغين المعجمة وبالراء : الأبيض المشرب بحمرة . [ ص: 356 ]

                                                                                                                                                                                                                              المرتفق : بميم مضمومة فراء ساكنة فمثناة فوقية مفتوحة ففاء مكسورة فقاف : المتكئ ، بهمزة في آخره .

                                                                                                                                                                                                                              بدا لك : غير مهموز ، أي ظهر لك .

                                                                                                                                                                                                                              أنشدك : بفتح الهمزة وسكون النون وضم الشين المعجمة : أي أسألك .

                                                                                                                                                                                                                              آلله : بمد الهمزة على الاستفهام ، وكذا ما بعده .

                                                                                                                                                                                                                              الهناة : بفتح الهاء وتخفيف النون في آخره تاء : الفواحش .

                                                                                                                                                                                                                              العقيصة : بعين مهملة مفتوحة فقاف مكسورة فتحتية ساكنة فصاد مهملة : الشعر المعقوص ، أي الملتوي .

                                                                                                                                                                                                                              فقه الرجل : بضم القاف وكسرها صار فقيها ، والله أعلم . [ ص: 357 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية