الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب التاسع والأربعون في سرية أبي قتادة الأنصاري رضي الله تعالى عنه إلى خضرة ووقعة ابن أبي حدرد في شعبان سنة ثمان .

                                                                                                                                                                                                                              روى ابن إسحاق ، والإمام أحمد ، ومحمد بن عمر عن عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي رضي الله تعالى عنه قال : تزوجت ابنة سراقة بن حارثة النجاري وقد قتل ببدر ، فلم أصب شيئا من الدنيا كان أحب إلى من نكاحها ، وأصدقتها مائتي درهم ، فلم أجد شيئا أسوقه إليها ، فقلت : على الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم المعول . فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته ، فقال : «كم سقت إليها ؟ » فقلت : مائتي درهم يا رسول الله . فقال : «سبحان الله والله لو كنتم تغترفونه من ناحية بطحان- وفي رواية- «لو كنتم تغترفون الدراهم من واديكم هذا ما زدتم» . فقلت : يا رسول الله أعني على صداقها . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما وافقت عندنا شيئا أعينك به ولكن قد أجمعت أن أبعث أبا قتادة في أربعة عشر رجلا في سرية فهل لك أن تخرج فيها ؟ فإني أرجو أن يغنمك الله مهر امرأتك» . فقلت : نعم .

                                                                                                                                                                                                                              وعند ابن إسحاق : فلبثت أياما ثم أقبل رجل من بني جشم حتى نزل بقومه وبمن معه الغابة يريد أن يجمع قيسا على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ذا اسم وشرف في جشم .

                                                                                                                                                                                                                              فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلين من المسلمين فقال : «اخرجوا إلى هذا الرجل حتى تأتوني منه بخبر وعلم» . وقدم لنا شارفا عجفاء يحمل عليها أحدنا فو الله ما قامت به [ضعفا] حتى دعمها الرجال من خلفها بأيديهم حتى استقلت وما كادت ، ثم قال : «تبلغوا عليها واعتقبوها» . وفي حديث محمد بن عمر ، وأحمد واللفظ للأول : فخرجنا ومعنا سلاحنا من النبل والسيوف فكنا ستة عشر رجلا بأبي قتادة وهو أميرنا . فبعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غطفان نحو نجد . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «سيروا الليل واكمنوا النهار وشنوا الغارة ولا تقتلوا النساء والصبيان» .

                                                                                                                                                                                                                              قال : فخرجنا حتى جئنا ناحية غطفان .

                                                                                                                                                                                                                              وفي حديث أحمد : فخرجنا حتى جئنا الحاضر ممسين ، فلما ذهبت فحمة العشاء قال محمد بن عمر قال : وخطبنا أبو قتادة وأوصانا بتقوى الله تعالى وألف بين كل رجلين وقال : «لا يفارق كل رجل زميله حتى يقتل أو يرجع إلي فيخبرني خبره ، ولا يأتين رجل فأسأله عن صاحبه فيقول لا علم لي به ، وإذا كبرت فكبروا ، وإذا حملت فاحملوا ولا تمعنوا في الطلب» . [ ص: 186 ]

                                                                                                                                                                                                                              فأحطنا بالحاضر ، فسمعت رجلا يصرخ : يا خضرة ، فتفاءلت وقلت : لأصيبن خيرا ولأجمعن إلي امرأتي ، وقد أتيناهم ليلا .

                                                                                                                                                                                                                              قال فجرد أبو قتادة سيفه وكبر ، وجردنا سيوفنا وكبرنا معه فشددنا على الحاضر وقاتلنا رجالا ، وإذا أنا برجل طويل قد جرد سيفه وهو يمشي القهقرى ، مرة يقبل علي بوجهه ، ومرة يدبر عني بوجهه ، كأنه يريد أن يستطردني فأتبعه ، ثم يقول : يا مسلم هلم إلى الجنة فأتبعه ، ثم قال : إن صاحبكم لذو مكيدة أمره هذا الأمر ، وهو يقول الجنة الجنة ، يتهكم بنا ، فعرفت أنه مستقتل فخرجت في أثره وناديت أين صاحبي ؟ لا تبعد فقد نهانا أميرنا عن أن نمعن في الطلب فأدركته وملت عليه فقتلته ، وأخذت سيفه ، وقد جعل زميلي يناديني أين تذهب ؟ إني والله إن ذهبت إلى أبي قتادة فسألني عنك أخبرته . قال : فلقيته قبل أبي قتادة . فقلت : أسأل الأمير عني ؟ قال : نعم وقد تغيظ علي وعليك . وأخبرني أنهم قد جمعوا الغنائم وقتلوا من أشرافهم . فجئت أبا قتادة فلامني فقلت : قتلت رجلا كان من أمره كذا وكذا وأخبرته بقوله كله . ثم سقنا النعم وحملنا النساء وجفون السيوف معلقة بالأقتاب ، فأصبحت وبعيري مقطور بامرأة كأنها ظبي .

                                                                                                                                                                                                                              فجعلت تكثر الالتفات خلفها وتبكي ، فقلت : إلى أي شيء تنظرين ؟ قالت : أنظر والله إلى رجل لئن كان حيا لاستنقذنا منكم . فوقع في نفسي أنه هو الذي قتلت . فقلت : قد والله قتلته ، وهذا والله سيفه معلق بالقتب . قالت : فألق إلي غمده . فقلت : هذا غمد سيفه . قالت : فشمه إن كنت صادقا . قال : فشمته فطبق . قال : فبكت ويئست .

                                                                                                                                                                                                                              وفي حديث ابن إسحاق : قال عبد الله بن أبي حدرد : فخرجنا ومعنا سلاحنا من النبل والسيوف حتى إذا جئنا قريبا من الحاضر [عشيشية] مع غروب الشمس كمنت في ناحية وأمرت صاحبي فكمنا في ناحية أخرى من حاضر القوم ، وقلت لهما : إذا [سمعتماني قد] كبرت وشددت في ناحية العسكر فكبرا وشدا معي .

                                                                                                                                                                                                                              قال : فو الله إنا لكذلك ننتظر غرة القوم أو أن نصيب منهم شيئا غشينا الليل فذهبت فحمة العشاء ، وكان راعيهم قد أبطأ عليهم حتى تخوفوا عليه . فقام صاحبهم رفاعة بن قبس فأخذ سيفه فجعله في عنقه ثم قال : والله لأتبعن أثر راعينا هذا فلقد أصابه شر . فقال بعض من معه . نحن نكفيك فلا تذهب . فقال : والله لا يذهب إلا أنا . فقالوا : ونحن معك . قال : والله لا يتبعني أحد منكم . وخرج حتى مر بي ، فلما أمكنني نفحته بسهم فوضعته في فؤاده فو الله ما تكلم ووثبت إليه فاحتززت رأسه وشددت في ناحية العسكر وكبرت وشد صاحباي وكبرا .

                                                                                                                                                                                                                              فو الله ما كان إلا النجاء ممن فيه عندك عندك بكل ما قدروا عليه من نسائهم وأبنائهم وما خف معهم من أموالهم واستقنا إبلا عظيمة وغنما كثيرة . [ ص: 187 ]

                                                                                                                                                                                                                              وعند محمد بن عمر عن جعفر بن عمر : وقالوا : غابوا خمس عشرة ليلة وجاءوا بمائتي بعير وألف شاة وسبوا سبيا كثيرا وجمعوا الغنائم فأخرجوا الخمس فعزلوه وعدل البعير بعشرين من الغنم .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد والشيخان وأبو داود عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية قبل نجد فخرجت فيها فغنمنا إبلا وغنما كثيرة فبلغت سهماننا اثني عشر بعيرا فنفلنا أميرنا بعيرا بعيرا كل إنسان ، ثم قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسم علينا غنيمتنا فأصاب كل رجل منا اثنا عشر بعيرا بعد الخمس ، وما حاسبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي أعطانا صاحبنا ولا عاب عليه ما صنع . وفي رواية نفلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيرا بعيرا فكان لكل إنسان ثلاثة عشر بعيرا .

                                                                                                                                                                                                                              قال عبد الله بن أبي حدرد : فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجئت برأس رفاعة أحمله معي فأعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم من تلك الإبل ثلاثة عشرة بعيرا فدخلت بزوجتي ورزقني الله خيرا كثيرا .

                                                                                                                                                                                                                              وروى محمد بن عمر عن عبد الله بن أبي حدرد قال : أصابنا في وجهنا أربع نسوة فيهن فتاة كأنها ظبي ، بها من الحداثة والحلاوة شيء عجيب ، وأطفال وجوار ، فاقتسمنا السبي وصارت تلك الجارية الوضيئة لأبي قتادة

                                                                                                                                                                                                                              فجاء محمية بن جزء الزبيدي فقال : يا رسول الله إن أبا قتادة قد أصاب في وجهه هذا جارية وضيئة ، وقد كنت وعدتني جارية من أول فيء يفيء الله به عليك . فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي قتادة . فقال : «هب لي الجارية» . فقال : نعم يا رسول الله : فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفعها إلى محمية بن جزء الزبيدي .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية