الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب السابع والستون في بعثه صلى الله عليه وسلم أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنهما لهدم الطاغية .

                                                                                                                                                                                                                              روى البيهقي عن عروة ، ومحمد بن عمر عن شيوخه ، وابن إسحاق عن رجاله ، قالوا : إن عبد ياليل بن عمرو ، وعمرو بن أمية أحد بني علاج الثقفيان لما قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع وفد ثقيف وأسلموا قالوا : أرأيت الربة ماذا نصنع فيها ؟ قال : اهدموها . قالوا : هيهات لو تعلم الربة أنا أوضعنا في هدمها قتلت أهلنا . قال عمر بن الخطاب : ويحك يا عبد ياليل ما أجمعك إنما الربة حجر لا تدري من عبده ممن لم يعبده . قال عبد ياليل : إنا لم نأتك يا عمر . وقالوا : يا رسول الله اتركها ثلاث سنين لا تهدمها . فأبى . فقالوا : سنتين فأبى فقالوا سنة . فأبى . فقالوا شهرا واحدا . فأبى أن يوقت لهم وقتا ، وإنما يريدون ترك الربة خوفا من سفهائهم والنساء والصبيان ، وكرهوا أن يروعوا قومهم بهدمها حتى يدخلهم الإسلام . وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعفيهم من هدمها . وقالوا : يا رسول الله اترك أنت هدمها فإنا لا نهدمها أبدا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أنا أبعث أبا سفيان بن حرب ، والمغيرة بن شعبة يهدمانها» .

                                                                                                                                                                                                                              فذكروا الحديث . فقال الوفد وأخبروا قومهم خبرهم وخبر الربة .

                                                                                                                                                                                                                              فقال شيخ من ثقيف قد بقي في قلبه شرك بعد : فذاك والله مصداق ما بيننا وبينه ، فإن قدر على هدمها فهو محق ونحن مبطلون ، وإن امتنعت ففي النفس من هذا بعد شيء . فقال عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه : «منتك والله نفسك الباطل وغرتك الغرور الربة ، والله ما تدري من عبدها ومن لم يعبدها» . وخرج أبو سفيان بن حرب ، والمغيرة بن شعبة وأصحابهما لهدم الربة . فلما دنوا من الطائف قال المغيرة لأبي سفيان : تقدم أنت على قومك . وأقام أبو سفيان بماله بذي الهرم ، ودخل المغيرة في بضعة عشر رجلا يهدمون الربة . فلما نزلوها عشاء باتوا ثم غدوا على الربة يهدمونها .

                                                                                                                                                                                                                              فقال المغيرة لأصحابه الذين قدموا معه : «لأضحكنكم اليوم من ثقيف» . فاستكفت ثقيف كلها : الرجال والنساء والصبيان حتى خرج العواتق من الحجال حزنا يبكين على الطاغية ، لا يرى عامة ثقيف أنها معدومة ويظنون أنها ممتنعة . فقام المغيرة بن شعبة واستوى على رأس الدابة ومعه المعول ، وقام معه بنو معتب دريئة بالسلاح مخافة أن يصاب كما فعل عمه عروة بن مسعود . وجاء أبو سفيان وصمم على ذلك فأخذ الكرزين وضرب المغيرة [ ص: 227 ] بالكرزين ثم سقط مغشيا عليه يركض برجليه فارتج أهل الطائف بصيحة واحدة وقالوا : أسعد الله المغيرة قد قتلتم الربة . زعمتم أن الربة لا تمتنع بل والله لتمنعن ، وفرحوا حين رأوه ساقطا ، وقالوا : من شاء منكم فليقترب وليجتهد على هدمها فو الله لا يستطاع أبدا . فوثب المغيرة بن شعبة وقال : قبحكم الله يا معشر ثقيف إنما هي لكاع ، حجارة ومدر ، فاقبلوا عافية الله تعالى ولا تعبدوها ثم إنه ضرب الباب فكسره ثم سورها وعلا الرجال معه فما زالوا يهدمونها حجرا حجرا حتى سووها بالأرض ، وجعل السادن يقول : ليغضبن الأساس فليخسفن بهم .

                                                                                                                                                                                                                              فلما سمع بذلك المغيرة حفر أساسها فخربه حتى أخرجوا ترابها وانتزعوا حليتها وكسوتها وما فيها من طيب وذهب وفضة وثيابها . فبهتت ثقيف فقالت عجوز منهم : أسلمها الرضاع لم يحسنوا المصاع . وأقبل أبو سفيان والمغيرة وأصحابهما حتى دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بحليها وكسوتها وأخبروه خبرهم ، فحمد الله تعالى على نصر نبيه وإعزاز دينه ، وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم مال الطاغية من يومه

                                                                                                                                                                                                                              وسأل أبو المليح بن عروة بن [مسعود بن معتب الثقفي] رسول الله صلى الله عليه وسلم أن [يقضي] عن أبيه عروة دينا كان عليه من مال الطاغية . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : «نعم» . فقال له قارب بن الأسود ، وعن الأسود يا رسول الله فاقضه ، وعروة والأسود أخوان لأب وأم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن الأسود مات مشركا» . فقال قارب : يا رسول الله لكن تصل مسلما ذا قرابة ، يعني نفسه ، إنما الدين علي وإنما أنا الذي أطلب به . فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان أن يقضي دين عروة والأسود من مال الطاغية .


                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية