الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              وفي ذكر طلبه صلى الله عليه وسلم مباهلة أهل نجران بأمر الله تعالى وامتناعهم من ذلك قال الله سبحانه وتعالى : فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم [آل عمران 61] أي جادلك من النصارى في عيسى من بعد ما جاءك من البينات الموجبة للعلم . فقل تعالوا [آل عمران 61] هلموا بالرأي والعزم ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم [آل عمران 61] أي يدع كل منا ومنكم نفسه وعزة أهله وألصقهم بقلبه أي المباهلة ، وإنما قدم على النفس لأن الرجل يخاطر بنفسه لهم ويحارب دونهم ، ثم نتباهل أي يلعن الكاذب منا ، والبهلة بالضم [والفتح] اللعنة وأصله الترك من قولهم بهلت الناقة إذا تركتها بلا صرار . ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين [آل عمران 61] عطف فيه بيان .

                                                                                                                                                                                                                              إن هذا لهو القصص الحق [آل عمران 62] أي ما ذكره من شأن عيسى حق دون ما ذكروه وما بعده خبر ، واللام لأنه أقرب إلى المبتدأ من الخبر وأصلها أن تدخل على المبتدأ . وما من إله إلا الله [آل عمران 62] صرح فيه «بمن» المزيدة للاستقراء تأكيدا للرد على النصارى في تثنيتهم . وإن الله لهو العزيز الحكيم لا أحد يساويه في القدرة الثابتة والحكمة البالغة ليشاركه في الألوهية . فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين [آل عمران 63] وعيد لهم وضع لهم موضع التميز ليدل على أن التولي عن الحجج والإعراض عن التوحيد إفساد للدين والاعتقاد المؤدي إلى فساد العلم .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الحاكم وصححه ، وابن مردويه ، وأبو نعيم في الدلائل عن جابر ، وأبو نعيم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه ، والبيهقي عن سلمة بن عبد يسوع عن أبيه عن جده والشيخ [ ص: 419 ] والترمذي ، والنسائي عن حذيفة ، وابن سعد عن الأزرق بن قيس ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وأبو نعيم عن ابن عباس في الدلائل عن قتادة ، وابن أبي شيبة ، وسعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وأبو نعيم عن الشعبي رضي الله تعالى عنهم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الآيات دعا وفد نجران إلى المباهلة فقال : «إن الله تعالى أمرني إن لم تقبلوا هذا أن أباهلكم» . فقالوا : يا أبا القاسم بل نرجع فننظر في أمرنا . وفي حديث ابن عباس عن أبي نعيم في الدلائل : فقالوا : أخرنا ثلاثة أيام ، فخلا بعضهم إلى بعض وتصادقوا . فقال السيد العاقب : والله يا معشر النصارى لقد عرفتم أن محمدا لنبي مرسل ولئن لاعنتموه ليخسفن بأحد الفريقين إنه للاستئصال لكم ، وما لاعن قوم قط نبيا فبقي كبيرهم ولا نبت صغيرهم . وفي رواية : فقال شرحبيل : لئن كان هذا الرجل نبيا مرسلا فلاعناه لا يبقى على وجه الأرض منا شعر ولا ظفر إلا هلك . وفي رواية : لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا ، وفي رواية : لئن لاعنتموه ليخسفن بأحد الفريقين . قالوا : فما الرأي يا أبا مريم ؟ فقال : رأيي أن أحكمه فإني أرى رجلا لا يحكم شططا أبدا .

                                                                                                                                                                                                                              فقال السيد : فإن كنتم قد أبيتم إلا إلف دينكم والإقامة على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم فوادعوا الرجل ثم انصرفوا إلى بلادكم . فلما انقضت المدة أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم مشتملا على الحسن والحسين في خميلة له وفاطمة تمشي عند ظهره للملاعنة ، وله يومئذ عدة نسوة . فقال صلى الله عليه وسلم : «إن أنا دعوت فأمنوا أنتم»
                                                                                                                                                                                                                              . وروى مسلم ، والترمذي ، وابن المنذر ، والحاكم في السنن عن سعد بن أبي وقاص عن علي بن أحمر قالا : لما نزلت آية المباهلة دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا ، فقال : «اللهم هؤلاء أهل بيتي» . انتهى .

                                                                                                                                                                                                                              فتلقى شرحبيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إني قد رأيت خيرا من ملاعنتك . فقال : «وما هو ؟ » فقال : حكمك اليوم إلى الليل وليلتك إلى الصباح فما حكمت فينا فهو جائز . وأبوا أن يلاعنوه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى عبد الرزاق ، والبخاري ، والترمذي ، والنسائي ، وابن جرير ، وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهم قال : لو باهل أهل نجران رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجعوا لا يجدون أهلا ولا مالا .

                                                                                                                                                                                                                              وروي عن الشعبي مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «لقد أراني البشير بهلكة أهل نجران حتى الطير على الشجر ولو تموا على الملاعنة» .

                                                                                                                                                                                                                              وروي عن قتادة مرسلا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن كان العذاب لقد نزل على أهل نجران ، أن لو فعلوا لاستؤصلوا من الأرض» . [ ص: 420 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية