الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب الثامن والعشرون في وفود جرير بن عبد الله البجلي رضي الله تعالى عنه إليه صلى الله عليه وسلم

                                                                                                                                                                                                                              روى الطبراني والبيهقي وابن سعد عن جرير رضي الله تعالى عنه قال : بعث إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته فقال : «ما جاء بك ؟ » قلت : جئت لأسلم فألقى إلي كساءه وقال : «إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه» . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أدعوك إلى شهادة ألا إله إلا الله وأني رسول الله وأن تؤمن بالله واليوم الآخر ، والقدر خيره وشره ، وتصلي الصلاة المكتوبة ، وتؤدي الزكاة المفروضة وتصوم شهر رمضان ، وتنصح لكل مسلم ، وتطيع الوالي وإن كان عبدا حبشيا» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد ، : والبيهقي ، والطبراني برجال ثقات عنه قال : لما دنوت من مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم أنخت راحلتي وحللت عيبتي ولبست حلتي ودخلت المسجد ، والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب ، فسلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرماني الناس بالحدق فقلت لجليسي : يا عبد الله هل ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمري شيئا ؟ قال : نعم ، ذكرك بأحسن الذكر ، فبينا هو يخطب إذ عرض لك فقال : «إنه سيدخل عليكم من هذا الباب- أو قال- من هذا الفج من خير ذي يمن وإن على وجهه لمسحة ملك» .

                                                                                                                                                                                                                              فحمدت الله على ما أبلاني
                                                                                                                                                                                                                              .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البزار ، والطبراني عن عبد الله بن حمزة والطبراني عن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما قال : بينا أنا يوما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في جماعة من أصحابه أكثرهم اليمن إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «سيطلع عليكم من هذه الثنية» - وفي لفظ : «من هذا الفج- خير ذي يمن على وجهه مسحة ملك» . فما من القوم أحد إلا تمنى أن يكون من أهل بيته ، إذ طلع عليه راكب فانتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل على راحلته فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ بيده وبايعه وقال : «من أنت ؟ » قال : جرير بن عبد الله البجلي . فأجلسه إلى جنبه ومسح بيده على رأس ووجهه وصدره وبطنه حتى انحنى جرير حياء أن يدخل يده تحت إزاره ، وهو يدعو له بالبركة ولذريته ، ثم مسح رأسه وظهره وهو يدعو له ثم بسط له عرض ردائه وقال له : «على هذا يا جرير فاقعد» .

                                                                                                                                                                                                                              فقعد معهم مليا ثم قام وانصرف .

                                                                                                                                                                                                                              وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه»
                                                                                                                                                                                                                              . [ ص: 312 ]

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني برجال الصحيح عن جرير رضي الله تعالى عنه قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله أبايعك على الهجرة . فبايعني رسول الله صلى الله عليه وسلم واشترط علي والنصح لكل مسلم ، فبايعته على هذا . قال ابن سعد : وكان نزول جرير بن عبد الله على فروة بن [عمرو] البياضي .

                                                                                                                                                                                                                              تنبيهات

                                                                                                                                                                                                                              الأول : قال الحافظ في الإصابة :

                                                                                                                                                                                                                              روى الطبراني في الأوسط من طريق حصين بن عمرو الأحمسي عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير قال : لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم أتيته فقال : «ما جاء بك ؟ قلت : جئت لأسلم . فألقى إلي كساءه وقال : «إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه» . الحديث .

                                                                                                                                                                                                                              قال الحافظ : « حصين فيه ضعف ولو صح لحمل على المجاز ، أي [لما] بلغنا خبر بعث النبي صلى الله عليه وسلم أو على الحذف أي لما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دعا إلى الله ثم قدم المدينة ثم حارب قريشا وغيرهم ثم فتح مكة ثم وفدت عليه الوفود» . قلت : هذا الحديث رواه البيهقي من هذا الطريق عن جرير بلفظ : «بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته» .

                                                                                                                                                                                                                              وهذه الرواية لا إشكال فيها ، ولم أر الحديث في مجمع الزوائد في مناقب جرير .

                                                                                                                                                                                                                              الثاني : جزم أبو عمر بأن جريرا أسلم قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بأربعين يوما قال الحافظ : وهو غلط ففي الصحيحين عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له في حجة الوداع : «استنصت الناس» .

                                                                                                                                                                                                                              الثالث : جزم محمد بن عمر الأسلمي بأنه وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان سنة عشر وأن بعثه إلى ذي الخلصة كان بعد ذلك ، وأنه وافى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع من عامه .

                                                                                                                                                                                                                              قال الحافظ : وعندي فيه نظر لأن شريكا حدث عن الشيباني عن الشعبي عن جرير قال : قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن أخاكم النجاشي قد مات» .

                                                                                                                                                                                                                              الحديث أخرجه الطبراني فهذا يدل على أن إسلام جرير كان قبل سنة عشرة لأن النجاشي مات قبل ذلك .

                                                                                                                                                                                                                              الرابع : في بيان غريب ما سبق :

                                                                                                                                                                                                                              البجلي : بموحدة فجيم مفتوحتين فلام فياء نسب . [ ص: 313 ]

                                                                                                                                                                                                                              العيبة : بعين مهملة مفتوحة وتحتية ساكنة بعدها موحدة فتاء تأنيث : ما يجعل المسافر فيه ثيابه .

                                                                                                                                                                                                                              الحلة : بحاء مهملة مضمومة فلام مفتوحة مشددة : البرد من برود اليمن ، ولا يسمى حلة إلا أن يكون ثوبين من جنس واحد .

                                                                                                                                                                                                                              الحدق : بحاء فدال مهملتين مفتوحتين فقاف : جمع حدقة وهي العين .

                                                                                                                                                                                                                              الفج : تقدم الكلام عليه .

                                                                                                                                                                                                                              ذي يمن : [بمثناة تحتية وميم مفتوحتين فنون] .

                                                                                                                                                                                                                              مشحة : بميم مفتوحة فسين مهملة ساكنة فحاء مهملة مفتوحة فتاء تأنيث أي أثر ظاهر منه . [ ص: 314 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية