الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب الثمانون في وفود قيس بن عاصم إليه صلى الله عليه وسلم

                                                                                                                                                                                                                              عن غالب بن أبجر [المزني] قال : ذكرت قيس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «رحم الله قيسا » . قيل : يا رسول الله أنترحم على قيس قال : «نعم إنه كان على دين أبينا إسماعيل بن إبراهيم خليل الله ، إن قيسا فرسان الله تعالى في الأرض ، والذي نفسي بيده ليأتين على الناس زمان ليس لهذا الدين ناصر غير قيس ، إن قيسا خير الله تعالى في الأرض» . يعني أسد الله . رواه الطبراني برجال ثقات والبزار .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني بسند جيد عن قيس بن عاصم رضي الله تعالى عنه قال : قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآني قال : «هذا سيد أهل الوبر» . فلما نزلت أتيته فجعلت أحدثه ، فقلت :

                                                                                                                                                                                                                              يا رسول الله ، ما المال الذي ليست علي فيه تبعة من ضيف ضافني أو عيال كثروا علي ؟ قال : «نعم المال الأربعون ، والأكثر الستون ، وويل لأصحاب المئين إلا من أعطى من رسلها ونجدتها ، وأطرق فحلها ، وأفقر ظهرها [ومنح غزيرتها] ونحر سمينها وأطعم القانع والمعتر» .

                                                                                                                                                                                                                              قال : يا رسول الله ، ما أكرم هذه وأحسنها ، إنه لا يحل بالوادي الذي أنا فيه لكثرة إبلي . فقال :

                                                                                                                                                                                                                              «فكيف تصنع بالطروقة ؟ » قال : قلت تغدو الإبل ويغدو الناس ، فمن شاء أخذ برأس بعير فذهب به . قال : «فكيف تصنع في الإفقار ؟ قلت : إني لأفقر الناب المدبرة والضرع الصغير . قال : «فكيف تصنع في المنيحة ؟ » قلت : إني لأمنح في كل سنة مائة . قال : «فمالك أحب إليك أم مال مواليك ؟ » قلت : لا ، بل مالي . قال : «إنما لك من مالك ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو أعطيت فأمضيت وسائره لمواليك» . فقلت : والله لئن بقيت لأقلن عددها .

                                                                                                                                                                                                                              قال الحسن البصري رحمه الله تعالى : فعل والله ، فلما حضرت قيسا الوفاة جمع بنيه فقال : يا بني خذوا عني فإنكم لن تأخذوا من أحد هو أنصح لكم مني . إذا أنا مت فسودوا أكابركم ولا تسودوا أصاغركم فتسفهكم الناس وتهونوا عليهم وعليكم بإصلاح المال فإنه سعة للكريم ويستغنى به عن اللئيم ، وإياكم والمسألة فإنها آخر كسب المرء ، وإذا أنا مت فلا تنوحوا علي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينح عليه وقد سمعته ينهى عن النياحة ، وكفنوني في ثيابي التي كنت أصلي فيها وأصوم وإذا دفنتموني فلا تدفنوني في موضع يطلع عليه أحد ، فإنه قد كان بيني وبين بني بكر بن وائل حماسات في الجاهلية فأخاف أن ينبشوني فيصيبون في ذلك ما [ ص: 400 ] يذهب فيه دينكم ودنياكم . قال الحسن رحمه الله تعالى : نصح لهم في الحياة ونصح لهم في الممات
                                                                                                                                                                                                                              .

                                                                                                                                                                                                                              تنبيه : في بيان غريب ما سبق .

                                                                                                                                                                                                                              الوبر : بواو فموحدة مفتوحتين فراء : شعر الإبل ، وأهل الوبر أهل البوادي لأن بيوتهم يتخذونها منه .

                                                                                                                                                                                                                              رسلها : براء مكسورة فسين مهملة ساكنة فلام : اللبن : والهينة والرفق .

                                                                                                                                                                                                                              نجدتها ورسلها : بنون فجيم فدال مهملة ففوقية أي الشدة والرخاء ، يقول : يعطي وهي سمان حسان يشتد عليه إخراجها فتلك نجدتها ، ويعطي في رسلها وهي مهازيل مقاربة ، قاله في النهاية . والأحسن أن يكون المراد بالنجدة : الشدة والجدب ، وبالرسل الرخاء والخصب ، لأن الرسل اللبن وإنما يكثر في حال الرخاء والخصب فيكون المعنى أنه يخرج حق الله تعالى في حال الضيق والسعة ، والجدب والخصب .

                                                                                                                                                                                                                              أفقر ظهرها : بهمزة مفتوحة ففاء ساكنة فقاف فراء .

                                                                                                                                                                                                                              القانع : بقاف ثم نون : هو السائل .

                                                                                                                                                                                                                              المعتر : بضم الميم وسكون العين المهملة وفتح الفوقية : الذي يعتريك أي يلم بك لتعطيه ولا يسأل .

                                                                                                                                                                                                                              الدبرة : بفتح الدال المهملة والموحدة وتسكن فراء مفتوحة فتاء تأنيث : الدولة والظفر والعزيمة ويقال على من الدبرة أي الهزيمة .

                                                                                                                                                                                                                              سودوا : بسين مهملة فواو مكسورة مشددة فدال مهملة أي اجعلوه سيدا .

                                                                                                                                                                                                                              حماسات : بحاء مهملة مفتوحة فميم فألف فسين مهملة فتاء حماسة وهي الشدة والشجاعة . [ ص: 401 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية