الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 125 ] 21 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله عليه السلام من قوله : { وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج }

133 - وحدثنا يونس ، حدثنا بشر بن بكر ، وحدثنا الربيع المرادي ، حدثنا بشر ، عن الأوزاعي ، حدثنا حسان بن عطية ، حدثني أبو كبشة السلولي ، قال : سمعت عبد الله بن عمرو يقول : سمعت رسول الله عليه السلام يقول : { بلغوا عني ولو آية ، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار } .

134 - حدثنا بكار بن قتيبة ، وإبراهيم بن مرزوق قالا : حدثنا أبو عاصم ، عن الأوزاعي ، عن حسان بن عطية ، عن أبي كبشة السلولي ، عن عبد الله بن عمرو ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرا مثله .

[ ص: 126 ]

135 - حدثنا يونس ، أخبرنا ابن وهب ، حدثني سليمان بن بلال ، عن محمد بن عمرو بن علقمة ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة أن رسول الله عليه السلام قال : { حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج } .

فتأملنا ما في هذا الحديث من قوله لأمته : وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ، فكان ذلك عندنا - والله أعلم - إرادة منه أن يعلموا ما كان فيهم من العجائب التي كانت فيهم ؛ ولأن أمورهم كانت الأنبياء تسوسها .

136 - كما حدثنا ابن أبي داود ، حدثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج المنقري ، حدثنا عبد الوارث بن سعيد ، عن محمد بن جحادة ، عن فرات القزاز ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إن بني إسرائيل كان يسوسهم الأنبياء ، كلما مات نبي قام نبي } .

قال أبو جعفر : وكان فيما يتحدثون به من ذلك ما عسى أن يعظهم ويحذرهم من الخروج عن التمسك بدين الله ، كما خرجت عنهبنو إسرائيل ، فيعاقبهم بمثل ما عاقبهم به ، وكان مع ذلك عليه السلام يحدثهم منها .

[ ص: 127 ]

137 - كما قد حدثنا ابن أبي داود ، حدثنا سليمان بن حرب الواشحي ، حدثنا أبو هلال الراسبي ، عن قتادة ، عن أبي حسان ، عن عمران بن حصين قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عامة ليله يحدث عن بني إسرائيل ما يقوم إلا لعظم صلاة } .

وقال أبو جعفر : وكان قوله عقيبا لما أمرهم به من الحديث عن بني إسرائيل ولا حرج ، أي : ولا حرج عليكم أن لا تحدثوا عنهم كمثل ما قال مما قد روي عنه فيما سوى ذلك :

138 - كما حدثنا بكار ، وإبراهيم بن مرزوق ، حدثنا أبو عاصم ، حدثنا ثور بن يزيد ، عن حصين الحبراني ، عن أبي سعيد الخير ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله عليه السلام : { من اكتحل فليوتر ، من فعل فقد أحسن ، ومن لا فلا حرج ، ومن استجمر فليوتر ، من فعل فقد أحسن ، ومن لا فلا حرج ، ومن أتى الخلاء فليستتر ، وإن لم يجد إلا كثيب رمل فليجمعه فليستدبره ، فإن الشياطين تلعب بمقاعد بني آدم ، من فعل فقد أحسن ، ومن لا فلا حرج ، ومن أكل طعاما فما تخلل فليلقها ، وما لاك بلسانه فليبلع ، من فعل فقد أحسن ، ومن لا فلا حرج } .

[ ص: 128 ] قال : فكان ما أمر به من هذه الأشياء المذكورة في هذا الحديث مما أتبع أمره بكل واحد منها قوله : ولا حرج ، أي : ولا حرج عليكم أن لا تفعلوا ما أمرتكم به من ذلك ، إذ كان ما أمرهم به منه على الاختيار لا على الإيجاب ، فكان مثل ذلك ما أمرهم به من الحديث عن بني إسرائيل ، مما أتبعه قوله : ولا حرج ، مثل ذلك أيضا على التوسعة منه عليهم ، أن لا يحدثوا عنهم إن شاؤوا ؛ لأن ما أمرهم به إنما كان على الاختيار لا على الإيجاب ، وكان تلك منة من الله عليه عقيبا لقوله لهم : بلغوا عني ولو آية ، مما أمرهم به إيجابا عليهم ، فأتبع ذلك في أمره ما أمرهم به من الحديث عن بني إسرائيل ، ببيان مخالفة ذلك لما قبله ، إذ كان ما قبله على الوجوب ، والذي بعده على الاختيار .

التالي السابق


الخدمات العلمية