إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم .
[11] ولما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى غزوة بني المصطلق ، وهي غزوة المريسيع في سنة ست من الهجرة الشريفة ، ومعه عائشة رضي الله عنها ، وقعت قصة الإفك في تلك الغزوة ، وهي قذف عائشة بصفوان بن المعطل ، وكان صفوان حصورا لا يأتي النساء .
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت : "والله إن الرجل الذي قيل له ما قيل ليقول : سبحان الله ، فوالذي نفسي بيده! ما كشفت من كنف أنثى قط ، قالت : ثم قتل بعد ذلك في سبيل الله" ، والقصة مشهورة في الحديث الشريف ، فنزل قوله تعالى :
إن الذين جاءوا بالإفك هو سوء الكذب عصبة جماعة منكم يعني : عبد الله بن أبي بن سلول المنافق ، ومسطح ، وحسان بن ثابت ، وحمنة بنت جحش ، وغيرهم .
لا تحسبوه أي : الإفك ، والخطاب لعائشة وأهلها وصفوان .
شرا لكم قرأ ابن عامر ، وعاصم ، وحمزة ، وأبو جعفر : (تحسبوه ) [ ص: 514 ] و (تحسبونه ) (يحسبه ) (يحسب ) كيف أتى مستقبلا بفتح السين ، والباقون : بالكسر .
بل هو خير لكم بأن تثابوا ، وتظهر براءتكم لكل امرئ منهم يعني : من العصبة الكاذبة ما اكتسب من الإثم جزاء ما اجترح من الذنب .
والذي تولى كبره منهم قرأ يعقوب : بضم الكاف ، والباقون : بكسرها ، وهما لغتان ، المعنى : والذي تحمل معظم الإفك من الأفاكين هو عبد الله بن أبي .
له عذاب عظيم أما ابن أبي ، فمات منافقا ، وأما حسان ، فعمي بعد ذلك .
وعن مسروق قال : "دخلنا على عائشة ، وعندها حسان بن ثابت ينشدها شعرا يشبب بأبيات له ، وقال :
حصان رزان ما تزن بريبة وتصبح غرثى من لحوم الغوافل
فقالت عائشة : لكنك ليس كذلك ، قال مسروق : فقلت لها : لم تأذنين له أن يدخل عليك ، وقد قال الله تعالى : والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم فقالت : أي عذاب أشد من العمى ؟! وقالت : إنه كان ينافح ويهاجي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " . [ ص: 515 ]
وروي عنها أنها قالت : "ما سمعت شعره إلا رجوت له الجنة" .
وروي : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بالذين رموا عائشة ، فجلدوا الحد جميعا ثمانين ثمانين .
* * *


