الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون [الأنبياء : 63] .

[63] قال إبراهيم : بل فعله كبيرهم هذا غضب من أن تعبدوا معه هذه الصغار ، وهو أكبر منها ، فكسرهن ، وأراد إبراهيم بذلك إقامة الحجة عليهم ، فذلك قوله : [ ص: 367 ]

فاسألوهم عن حالهم . قرأ ابن كثير ، والكسائي ، وخلف : (فسلوهم ) بالنقل ، والباقون : بالهمز .

إن كانوا ينطقون أي : إن قدروا على النطق ، قدروا على الفعل ، فأراهم عجزهم عن النطق ، وفي ضميره : أنا فعلت ذلك .

عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات : اثنتين منهن في ذات الله : قوله : إني سقيم ، وقوله : بل فعله كبيرهم هذا ، وقوله لسارة : هذه أختي" .

وملخص قصة سارة : أنه لما نجى الله خليله - صلى الله عليه وسلم - من النمرود الجبار ، استجاب له رجال من قومه على خوف من نمرود وملئه ، ثم إن إبراهيم وأصحابه أجمعوا على فراق قومهم ، فخرج إبراهيم هو وأهله ومن معه ، فنزل الرها ، ثم سار إلى مصر ، وصاحبها فرعون ، فذكر لفرعون جمال سارة زوج الخليل عليه السلام ، وهي ابنة عمه هاران ، فسأل إبراهيم عنها ، فقال : هذه أختي ؛ يعني : في الإسلام ؛ خوفا أن يقتله ، فقال له : زينها وأرسلها إلي ، فأقبلت سارة إلى الجبار ، وقام إبراهيم يصلي ، فلما دخلت إليه ورآها ، أهوى إليها يتناولها بيده ، فأيبس الله يده ورجله ، فلما تخلى عنها ، أطلقه الله ، وتكرر ذلك منه ، فأطلقها ، ووهبها هاجر . [ ص: 368 ]

وفي بعض الأخبار : أن الله تعالى رفع الحجاب بين إبراهيم وسارة حتى ينظر إليها من وقت خروجها من عنده إلى وقت انصرافها ؛ كرامة لهما صلوات الله عليهما ، وتطييبا لقلب إبراهيم عليه السلام .

ثم سار إبراهيم من مصر إلى الشام ، وأقام بين الرملة وإيليا ، فهو أول من هاجر من وطنه في ذات الله ، والحديث الوارد أنه لم يكذب إلا ثلاث كذبات ليس هذا من باب الكذب الحقيقي الذي يذم فاعله ، وإنما أطلق الكذب على هذا تجوزا ، ويجوز أن يكون الله عز وجل أذن له في ذلك لقصد الصلاح ، وتوبيخهم ، والاحتجاج عليهم ؛ كما أذن ليوسف عليه السلام حتى أمر مناديه فقال لإخوته : أيتها العير إنكم لسارقون [يوسف : 70] ، ولم يكونوا سرقوا .

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية