الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وتحسبهم أيقاظا وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا .

[18] وتحسبهم يا محمد أيقاظا جمع يقظ ؛ كعضد ؛ أي : منتبهين ؛ لأنهم كانت أعينهم مفتحة في نومهم وهم رقود نيام ، جمع راقد ، ويتنفسون مع ذلك ولا يتكلمون ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال مرة للجنب الأيمن ، ومرة للجنب الأيسر .

قال ابن عباس : "كانوا يقلبون في السنة مرة من جانب إلى جانب ؛ لئلا تأكل الأرض لحومهم" ، ويقال : كان يوم عاشوراء يوم تقلبهم .

وكلبهم باسط ذراعيه ماد يديه بالوصيد والوصيد : العتبة التي لباب الكهف ، أو موضعها حيث ليست على الأصح ، وقيل : هو فناء الباب ، والباب الموصد : هو المغلق ، وأكثر أهل التفسير على أنه كان من جنس الكلاب .

قال ابن عباس : "كان كلبا أنمر ، واسمه قطمير" ، وقيل كان أسدا ، [ ص: 160 ] ويسمى الأسد كلبا ، فكانوا إذا انقلبوا انقلب موافقة لهم ، وهو مثلهم في النوم واليقظة .

لو اطلعت عليهم أي : لو نظرت إليهم يا محمد .

لوليت لرجعت هيبة وخوفا .

منهم فرارا هاربا ؛ لما ألبسهم الله من الهيبة حتى لا يصل إليهم أحد حتى يبلغ الكتاب أجله فيوقظهم الله من رقدتهم .

ولملئت قرأ نافع ، وأبو جعفر ، وابن كثير : بتشديد اللام الثانية ، والباقون بتخفيفها ، وأبو جعفر وأبو عمرو يبدلان الهمز ياء ، وكلها لغات بمعنى : لامتلأت .

منهم رعبا خوفا ؛ لما ألبسهم الله من الهيبة ، ولعظم أجرامهم ، وانفتاح عيونهم ، ولوحشة مكانهم . قرأ ابن عامر ، والكسائي ، وأبو جعفر ، ويعقوب : (رعبا ) بضم العين ، والباقون : بإسكانها .

وعن ابن عباس قال : "غزونا مع معاوية نحو الروم ، فمررنا بالكهف الذي فيه أصحاب الكهف ، فقال معاوية : لو كشف لنا عن هؤلاء ، فنظرنا إليهم ، فقال ابن عباس : قد منع ذلك من هو خير منك ، فقال : لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ، فبعث معاوية ناسا فقال : اذهبوا فانظروا ، فلما [ ص: 161 ] دخلوا الكهف ، بعث الله عليهم ريحا ، فأخرجتهم" .

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية