الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 513 ]

إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم .

[11] ولما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى غزوة بني المصطلق ، وهي غزوة المريسيع في سنة ست من الهجرة الشريفة ، ومعه عائشة رضي الله عنها ، وقعت قصة الإفك في تلك الغزوة ، وهي قذف عائشة بصفوان بن المعطل ، وكان صفوان حصورا لا يأتي النساء .

عن عائشة -رضي الله عنها- قالت : "والله إن الرجل الذي قيل له ما قيل ليقول : سبحان الله ، فوالذي نفسي بيده! ما كشفت من كنف أنثى قط ، قالت : ثم قتل بعد ذلك في سبيل الله" ، والقصة مشهورة في الحديث الشريف ، فنزل قوله تعالى :

إن الذين جاءوا بالإفك هو سوء الكذب عصبة جماعة منكم يعني : عبد الله بن أبي بن سلول المنافق ، ومسطح ، وحسان بن ثابت ، وحمنة بنت جحش ، وغيرهم .

لا تحسبوه أي : الإفك ، والخطاب لعائشة وأهلها وصفوان .

شرا لكم قرأ ابن عامر ، وعاصم ، وحمزة ، وأبو جعفر : (تحسبوه ) [ ص: 514 ] و (تحسبونه ) (يحسبه ) (يحسب ) كيف أتى مستقبلا بفتح السين ، والباقون : بالكسر .

بل هو خير لكم بأن تثابوا ، وتظهر براءتكم لكل امرئ منهم يعني : من العصبة الكاذبة ما اكتسب من الإثم جزاء ما اجترح من الذنب .

والذي تولى كبره منهم قرأ يعقوب : بضم الكاف ، والباقون : بكسرها ، وهما لغتان ، المعنى : والذي تحمل معظم الإفك من الأفاكين هو عبد الله بن أبي .

له عذاب عظيم أما ابن أبي ، فمات منافقا ، وأما حسان ، فعمي بعد ذلك .

وعن مسروق قال : "دخلنا على عائشة ، وعندها حسان بن ثابت ينشدها شعرا يشبب بأبيات له ، وقال :


حصان رزان ما تزن بريبة وتصبح غرثى من لحوم الغوافل



فقالت عائشة : لكنك ليس كذلك ، قال مسروق : فقلت لها : لم تأذنين له أن يدخل عليك ، وقد قال الله تعالى : والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم فقالت : أي عذاب أشد من العمى ؟! وقالت : إنه كان ينافح ويهاجي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " . [ ص: 515 ]

وروي عنها أنها قالت : "ما سمعت شعره إلا رجوت له الجنة" .

وروي : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بالذين رموا عائشة ، فجلدوا الحد جميعا ثمانين ثمانين .

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية