الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا .

[82] وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان اسمهما أصرم وصريم .

وكان تحته كنز لهما عن أبي الدرداء ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "كان ذهبا وفضة" ، وعن ابن عباس : "كان لوحا من ذهب مكتوب في أحد جانبيه : عجبا لمن أيقن بالموت كيف يفرح ، عجبا لمن أيقن بالقدر كيف يحزن ، عجبا لمن أيقن بالرزق كيف يتعب ، عجبا لمن يؤمن بالحساب كيف يغفل ، عجبا لمن أيقن بزوال الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها ، لا إله إلا الله محمد رسول الله ، وفي الآخر : أنا الله وحدي لا شريك لي ، خلقت الخير والشر ، فطوبى لمن خلقته للخير ، وأجريته على يديه ، والويل لمن [ ص: 209 ] خلقته للشر ، وأجريته على يديه" ، وهذا قول أكثر المفسرين .

وكان أبوهما صالحا فحفظا بصلاح أبيهما في أنفسهما ومالهما ، وقيل : كان الجد السابع .

فأراد ربك أن يبلغا أشدهما إيناس رشدهما ويستخرجا حينئذ كنزهما رحمة نعمة من ربك قال أولا : فأردت ثم قال : فأردنا ، ثم قال : فأراد ربك توسعا في اللغة ، قال بعضهم : لما قال الخضر : (فأردت ) ألهم : من أنت حتى تكون لك إرادة ؟! فجمع في الثانية ، فألهم : من أنت وموسى حتى تكون لكما إرادة ؟ فخص في الثالثة الإرادة لله تعالى ؛ ليعلم أن الكل إليه .

وما فعلته عن أمري أي : باختياري ، بل بأمر الله وإلهامه .

ذلك تأويل ما لم تسطع أي : ما لم تطق .

عليه صبرا اسطاع واستطاع بمعنى واحد .

ولما فارقه موسى ، قال : أوصني ، قال : لا تطلب العلم لتحدث به ، واطلبه لتعمل به .

واختلف في حياة الخضر ، فكثير من العلماء ذهب إلى أنه حي ، وهو يصلي الجمعة في خمسة مساجد : في المسجد الحرام ، ومسجد المدينة ، ومسجد بيت المقدس ، ومسجد قباء ، ومسجد الطور ، في كل مسجد جمعة ، ويأكل في كل جمعة أكلتين من كمأة وكرفس ، ويشرب مرة من ماء [ ص: 210 ] زمزم ، ومرة من جب سليمان الذي ببيت المقدس ، ويغتسل من عين سلوان .

قال الشيخ أبو محمد نصر البندنيجي : سألت الخضر : أين تصلي الصبح ؟ فقال : عند الركن اليماني ، قال : وأقضي بعد ذلك شيئا كلفني الله تعالى قضاءه ، ثم أصلي الظهر بالمدينة ، ثم أقضي شيئا كلفني الله قضاءه ، وأصلي العصر ببيت المقدس ، حكى ذلك صاحب "مثير الغرام" وغيره .

وسبب حياته -على ما حكاه البغوي- : أنه شرب من عين الحياة .

وروى المشرف بسنده ، وحكاه غيره : أن الخضر وإلياس -عليهما السلام- يصومان شهر رمضان ببيت المقدس ، ويوافيان الموسم كل عام ، وإلياس من أنبياء بني إسرائيل ، وذهب قوم إلى أن الخضر ميت ؛ لقوله تعالى وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد [الأنبياء : 34] ، وقال - صلى الله عليه وسلم - بعدما صلى العشاء ليلة : "أرأيتكم ليلتكم هذه ؛ فإن رأس مئة سنة لا يبقى ممن هو اليوم [ ص: 211 ] على ظهر الأرض أحد" ، ولو كان الخضر حيا ، لكان لا يعيش بعده .

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية