الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم .

[35] الله نور السماوات والأرض أي : صاحب نورهما ، [ ص: 538 ] ونورهما : الشمس والقمر ، المعنى : هو هاد من فيهما بنوره .

مثل نوره أي : صفة نور الله في قلب المؤمن كمشكاة [هي الكوة في الجدار غير نافذة ، روي أن المراد بالنور الثاني هنا : محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وقوله : (مثل نوره ) ؛ أي : نور محمد إذ كان مستودعا في الأصلاب ، وقيل : إن المشكاة هندية معربة . قرأ الدوري عن الكسائي : (كمشكاة )] بالإمالة فيها مصباح سراج ضخم ، والمعنى : مثل مصباح في مشكاة المصباح في زجاجة في قنديل ، مثل بها ؛ لأن النور فيها أشد ، ثم شبه القنديل بالكوكب فقال : الزجاجة كأنها كوكب دري قرأ أبو عمرو ، والكسائي : (دريء ) بكسر الدال مع المد والهمزة من الدرء ، وهو الدفع ؛ لأن الكوكب يدفع الشيطان من السماء ، وقرأ حمزة ، وأبو بكر عن عاصم : بضم الدال والمد والهمز ، بمعنى : أن الكوكب يدفع الظلام بضيائه ، وقرأ الباقون : بضم الدال وتشديد الياء من غير مد ولا همز ؛ أي : شديد الإنارة ، نسب إلى الدر في صفائه وحسنه ، وإن كان الكوكب أكثر ضوءا من الدر ، لكنه يفضل الكواكب بصفائه ؛ كما يفصل الدر سائر الحب .

يوقد قرأ أبو جعفر ، وابن كثير ، وأبو عمرو ، ويعقوب : بتاء مفتوحة وفتح الواو والدال وتشديد القاف على الماضي ؛ أي : توقد المصباح ، وقرأ [ ص: 539 ] نافع ، وابن عامر ، وحفص عن عاصم : بياء مضمومة وإسكان الواو وتخفيف القاف ورفع الدال على التذكير مجهول مستقبل ؛ [أي : يوقد المصباح ، وقرأ الباقون ، وهم : حمزة ، والكسائي ، وخلف ، وأبو بكر عن عاصم : بضم التاء والدال مع التخفيف على التأنيث مجهول مستقبل] ؛ أي : توقد الزجاجة ؛ أي : نارها ؛ لأن الزجاجة لا توقد .

من شجرة أي : زيت شجرة مباركة كثيرة النفع ؛ لأن دهنها الزيت ، فهو إدام وفاكهة ومصحة من الباسور زيتونة .

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "كلوا الزيت وادهنوا بالزيت ؛ فإنه من شجرة مباركة" .

لا شرقية ولا غربية بل بينهما ؛ كالشام وأجود الزيتون زيتونه .

وقال ابن عباس وغيره : معناه أنها في منكشف من الأرض ؛ لتصيبها عين الشمس طول النهار ، وتستدير عليها ، فليست خالصة للشرق فتسمى شرقية ، ولا للغرب فتسمى غربية ، بل هي شرقية وغربية ، تأخذ حظها من الأمرين ، فيكون زيتها أضوأ . [ ص: 540 ]

يكاد زيتها يضيء لصفائه ولو لم تمسسه نار فكأنه لفرط ضيائه .

نور على نور يعني : نور المصباح على نور الزجاجة . قرأ أبو عمرو (يكاد زيتها ) بإدغام الدال في الزاي ، وفائدة جعل المصباح في زجاجة ، والزجاجة في كوة غير نافذة ، شدة الإضاءة ؛ لأن المكان كما تضيق ، كان أجمع للضوء ، بخلاف الواسع ، فالضوء ينتشر فيه ، وخص الزجاج ؛ لأنه أحكى الجواهر لما فيه ، وهذا تمثيل للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، فالمشكاة صدره ، والزجاجة قلبه ، والمصباح النبوة فيه ، ومن شجرة مباركة شجرة النبوة ، يكاد زيتها يضيء : يكاد أمر محمد يتبين للناس أنه نبي ، ولو لم يتكلم ؛ كما يكاد ذلك الزيت يضيء ولو لم تمسسه نار .

يهدي الله لنوره لدين الإسلام من يشاء فإن الأسباب كلها بمشيئته .

ويضرب الله الأمثال للناس تقريبا لأفهامهم .

والله بكل شيء عليم ظاهرا كان أو خفيا .

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية