الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            963 - أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر، أنا عبد الغافر بن محمد، أنا محمد بن عيسى الجلودي، نا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان، نا مسلم بن الحجاج، حدثني محمد بن مثنى العنزي، نا محمد بن أبي عدي، عن سعيد، عن قتادة، عن زرارة، أن سعد بن هشام بن عامر، قال: انطلقنا إلى عائشة، قلت: " يا أم المؤمنين، أنبئيني عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: كنا نعد له سواكه وطهوره، فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه من الليل، فيتسوك ويتوضأ، ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة، فيذكر الله ويحمده، ويدعوه، ثم ينهض ولا يسلم، فيصلي التاسعة، ثم يقعد، فيذكر الله ويحمده، ويدعوه، ثم يسلم تسليما يسمعنا، ثم يصلي ركعتين بعد ما يسلم، وهو قاعد، فتلك إحدى عشرة ركعة يا بني، فلما أسن وأخذ اللحم، أوتر بسبع، وصنع في الركعتين مثل صنيعه في الأول، فتلك تسع يا بني، وكان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة أحب أن يداوم عليها، وكان إذا غلبه نوم، أو وجع عن قيام الليل صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة، ولا أعلم نبي الله صلى الله عليه وسلم قرأ القرآن [ ص: 81 ] كله في ليلة، ولا صلى ليلة إلى الصبح، ولا صام شهرا كاملا غير رمضان ".

                                                                            هذا حديث صحيح.

                                                                            قال أبو عيسى: وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم الوتر بثلاث عشرة، وإحدى عشرة، وتسع، وسبع، وخمس، وثلاث، وواحدة.

                                                                            قال الشيخ الإمام: روي عن أبي أيوب الأنصاري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الوتر حق على كل مسلم، فمن أحب أن يوتر بخمس، فليفعل، ومن أحب أن يوتر بثلاث، فليفعل، ومن أحب أن يوتر بواحدة، فليفعل".

                                                                            واختلف أهل العلم فيه، فذهب الثوري إلى أنه إن شاء أوتر بخمس، وإن شاء بثلاث، وإن شاء بركعة واحدة، والذي استحب أن [ ص: 82 ] يوتر بثلاث، وهو قول ابن المبارك، وأهل الكوفة، وإليه ذهب جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، منهم عبد الله بن مسعود، وكان يوتر بثلاث.

                                                                            وذهب جماعة من الصحابة، فمن بعدهم إلى أنه يوتر بركعة واحدة، منهم عثمان بن عفان، وسعد بن أبي وقاص، وزيد بن ثابت، وأبو موسى الأشعري، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، ومعاوية، وعائشة، وهو قول سعيد بن المسيب، وعطاء، وبه قال مالك، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، غير أن الاختيار عند أكثر هؤلاء أن يصلي ركعتين، ويسلم عنهما، ثم يوتر بركعة، لأن ابن عمر كان يسلم بين الركعتين والركعة حتى يأمر ببعض حاجته.

                                                                            فإن أفرد الركعة جاز عند الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وكرهه [ ص: 83 ] مالك، قال ابن شهاب: كان سعد بن أبي وقاص يوتر بعد العتمة بواحدة، قال مالك: وليس العمل على ذلك.

                                                                            وقال الأوزاعي: إن فصل بين الركعتين والثالثة، فحسن، وإن لم يفعل، فحسن، وقال مالك: يفصل بينهما، فإن لم يفعل، وقام إلى الثالثة ناسيا، سجد للسهو، قال الشافعي: والذي أختار ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يصلي إحدى عشرة ركعة، يوتر منها بواحدة.

                                                                            قال رحمه الله: ومن ذهب إلى أنه يوتر بثلاث، قال: يوتر بتشهدين وتسليمة واحدة، كالمغرب، يروى ذلك عن ابن مسعود.

                                                                            قال رحمه الله: وذهب بعض أصحاب الشافعي إلى أنه إن اختار الثلاث، يصليها بتشهد واحد، كما روينا عن عائشة في الخمس، وروي ذلك عن عائشة مرفوعا. [ ص: 84 ] .

                                                                            وإن اختار الخمس، فإن شاء بتشهد واحد، كما ورد في الحديث، وإن شاء بتشهدين، يقعد في الرابعة، ولا يسلم، ثم يقعد في الخامسة، ويسلم قياسا على السبع والتسع، كما رويناه عن عائشة، من حديث سعد بن هشام، أنه: "أوتر بتسع وسبع بتشهدين وتسليمة واحدة".

                                                                            وإن اختار السبع أو التسع يجوز بتشهدين، كما ورد في الحديث، ويجوز بتشهد واحد قياسا على الخمس، وكذلك إذا اختار الإيتار بإحدى عشرة، أو ثلاث عشرة والله أعلم.

                                                                            قال رحمه الله: وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي بعد الوتر ركعتين جالسا في حديث سعد بن هشام.

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية