الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
464 - صلة بن أشيم أبو الصهباء العدوي البصري:

وكان ثقة ورعا عابدا ، أسند عن ابن عياض وغيره .

وروى عنه الحسن ، وحميد ، وهلال .

[ ص: 170 ]

أخبرنا محمد بن ناصر ، قال: أخبرنا جعفر بن أحمد ، قال: أخبرنا أحمد أبو علي التميمي ، قال: حدثنا أبو بكر بن مالك ، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد ، قال: حدثنا أبي ، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن جعفر ، عن يزيد الرشك ، عن معاذة ، قالت: كان أبو الصهباء يصلي حتى ما يستطيع أن يأتي فراشه إلا زحفا .

قال عبد الله: وحدثنا أبي ، قال: حدثنا أحمد بن الحجاج ، قال: حدثنا عبد الله بن المبارك ، قال: أخبرنا المسلم بن سعيد الواسطي ، قال: حدثنا حماد بن جعفر بن زيد ، أن أباه أخبره قال: خرجنا في غزاة إلى كابل ، وفي الجيش صلة بن أشيم ، فنزل الناس عند العتمة ، فقلت: لأرمقن عمله فأنظر ما يذكر الناس من عبادته ، فصلى العتمة ثم اضطجع والتمس غفلة الناس حتى إذا قلت: هدأت العيون ، وثب فدخل غيضة قريبا منه ، ودخلت في أثره ، فتوضأ ثم قام يصلي .

قال: وجاء أسد حتى دنا منه . قال: فصعدت في شجرة . قال: فتراه التفت ، أو عده [جروا] حتى إذا سجد ، فقلت: الآن يفترسه . فجلس ثم سلم ، فقال: أيها السبع ، اطلب الرزق من مكان آخر ، فولى وإن له لزئيرا تصدع منه الجبال ، فما زال كذلك . فلما كان الصبح جلس فحمد الله عز وجل بمحامد لم أسمع بمثلها إلى ما شاء الله ، ثم قال: اللهم إني أسألك أن تجيرني من النار ، أومثلي يجترئ أن يسألك الجنة ، ثم رجع ، فأصبح كأنه بات على الحشايا . وأصبحت وبي من الفترة شيء الله به عليم .

قال: فلما دنونا من أرض العدو قال الأمير: لا يشدن أحد من العسكر ، قال: فذهبت بغلته بثقلها فأخذ يصلي ، فقالوا له: إن الناس قد ذهبوا . فمضى ثم قال: دعوني أصلي ركعتين . فقالوا: الناس قد ذهبوا ، قال: إنهما خفيفتان ، قال: فدعا ثم قال: اللهم إني أقسم عليك أن ترد بغلتي وثقلها . قال: فجاءت حتى قامت بين يديه .

[ ص: 171 ]

فلما لقينا العدو حمل هو وهشام بن عامر فصنعا بهم طعنا وضربا وقتلا . فكسر ذلك العدو ، فقالوا: رجلان من العرب صنعا بنا هذا ، فكيف لو قاتلونا . فأعطوا المسلمين حاجتهم .

أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك الأنماطي ، قال: أنبأنا أبو الفتح أحمد بن محمد الحداد ، قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي ، أن أبا أحمد بن محمد بن محمد الحاكم النيسابوري أخبره قال: أخبرني أبو يوسف محمد بن سفيان الصفار ، قال: حدثنا سعيد ، قال: سمعت ابن المبارك ، عن السري بن يحيى ، قال: حدثنا العلاء بن هلال الباهلي: أن رجلا من قوم صلة قال لصلة: يا أبا الصهباء إني رأيت أني أعطيت شهدة وأنت شهدتين ، فقال: خيرا رأيت ، تستشهد وأستشهد أنا وابني . فلما كان يوم يزيد بن زياد لقيهم الترك بسجستان ، فكان أول جيش انهزم من المسلمين ذلك الجيش . فقال صلة لابنه: يا بني ، ارجع إلى أمك ، فقال: يا أبه أتريد الخير لنفسك وتأمرني بالرجوع [بل ارجع] أنت والله كنت خيرا مني لأمي . قال: أما إن قلت هذا فتقدم ، فقاتل حتى أصيب ، فرمى صلة عن جسده -وكان رجلا راميا- حتى تفرقوا عنه ، وأقبل يمشي حتى قام عليه ، فدعا له ، ثم قاتل حتى قتل .

أخبرنا ابن ناصر ، قال: أخبرنا جعفر بن أحمد ، قال: أخبرنا أبو علي التميمي ، قال: أخبرنا أحمد بن جعفر ، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد ، قال: حدثنا أبي ، قال: حدثنا عفان ، قال: حدثنا حماد بن سلمة ، قال: أخبرنا ثابت البناني: أن صلة بن أشيم كان في مغزى له ومعه ابنه ، فقال: أي بني ، تقدم فقاتل حتى أحتسبك . فتقدم فقاتل حتى قتل ، ثم تقدم هو فقتل . فاجتمعت النساء عند امرأته معاذة [ ص: 172 ] العدوية ، فقالت: إن كنتن جئتن لتهنئنني فمرحبا بكن ، وإن كنتن جئتن لغير ذلك فارجعن .

قال مؤلف الكتاب رحمه الله: كانت هذه الغزاة في أول إمارة الحجاج .

التالي السابق


الخدمات العلمية