الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وفي هذه السنة بايع أهل البصرة عبيد الله بن زياد ، على أن يقوم لهم بأمرهم حتى يصطلح الناس على إمام يرتضونه لأنفسهم ، ثم أرسل عبيد الله رسولا إلى أهل الكوفة يدعوهم إلى مثل ذلك فأبوا عليه ، وحصبوا الوالي الذي كان عليهم .

وذلك أنه لما بلغت عبيد الله وفاة يزيد ، قام خطيبا ، فحمد الله وأثنى عليه وقال: يا أهل البصرة ، لقد وليتكم وما أحصي ديوان مقاتلتكم إلا سبعين ألف مقاتل ، ولقد أحصي اليوم ثمانين ألف مقاتل ، وما أحصي ديوان عمالكم إلا تسعين ألفا ، ولقد أحصي اليوم مائة ألف وأربعين ألفا ، وما تركت لكم ذا ظنة أخافه عليكم إلا وهو في سجنكم ، وإن أمير المؤمنين يزيد قد توفي ، وقد اختلف أهل الشام وأنتم اليوم أكثر الناس عددا ، وأوسعهم بلادا ، وأغنى عن الناس ، فاختاروا لأنفسكم رجلا ترضونه [ ص: 25 ] لدينكم وجماعتكم ، فأنا أول راض من رضيتموه ، فإن اجتمع أهل الشام على رجل ترضونه دخلتم فيما دخل فيه المسلمون ، وإن كرهتم ذلك [كنتم على جديلتكم حتى تعطوا] حاجتكم ، فما لكم إلى أحد من أهل البلدان حاجة .

فقامت خطباء أهل البصرة فقالوا: والله ما نعلم أحدا أقوى منك عليها ، فهلم نبايعك ، فقال: لا حاجة لي في ذلك ، فاختاروا لأنفسكم ، فأبوا غيره وأبى عليهم ، حتى كرروا ذلك ثلاث مرات . فلما أبوا بسط يده فبايعوه . ثم خرجوا يمسحون أكفهم بباب الدار وحيطانه ، وجعلوا يقولون: أظن ابن مرجانة أنا نوليه أمرنا في الفرقة . فكان يأمر بالأمر فلا ينفذ ، ويرى الرأي فيرد عليه رأيه .

فأقام كذلك ثلاثة أشهر ، وقدم مسلمة بن ذؤيب فدعا الناس إلى بيعة ابن الزبير ، فمالوا إليه وتركوا ابن زياد ، فكان في بيت المال يومئذ تسعة عشر ألف ألف ، ففرق ابن زياد بعضها في بني أمية ، وحمل الباقي معه ، وخرج في الليل يتخفى ، فعرفه رجل فضربه بسهم فوقع في عمامته وأفلت ، فطلبوه فمات وانتهبوا ما وجدوا له ، فطلب الناس من ثار عليهم ، فبايعوا عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم ، فولي أمرهم أربعة أشهر ، ثم ولي عبيد الله بن معمر على البصرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية