الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وفي هذه السنة فرغ الحجاج من بناء واسط

[وسبب تسميتها] أن الحجاج قال: هذا وسط ما بين المصرين: الكوفة والبصرة ، وكان كتب إلى عبد الملك يستأذنه في بناء مدينة بين المصرين ، فأذن له ، فابتدأ في البناء من سنة خمس وسبعين ، فبنى القصر والمسجد والسورين ، وحفر [ ص: 200 ] الخندق في ثلاث سنين ، وفرغ في هذه السنة ، فأنفق عليها خراج العراق كله خمس سنين ، ثم نقل إليها من وجوه أهل الكوفة ، وأمرهم أن يصلوا عن يمين المقصورة ، ونقل من وجوه أهل البصرة ، وأمرهم أن يصلوا عن يسار المقصورة ، وأمر من كان معه من أهل الشام أن يصلوا بحياله مما يلي المقصورة ، وأنزل أصحاب الطعام والبزازين والصيارف والعطارين عن يمين السور ، وأنزل البقالين وأصحاب السقط ، وأصحاب الفاكهة في قبلة السور ، وأنزل الروزجارية ، والصناع عن يسار السور إلى دجلة ، وجعل لأهل كل تجارة قطعة لا يخالطهم غيرهم ، وأمر أن يكون مع أهل كل قطعة صيرفي ، وجعل لقصره أربعة أبواب ، واتخذ لهم مقبرة من الجانب الشرقي ، وعقد الجسر وضرب الدراهم ، وولاها لابن أخيه . وقد جرت لابن أخيه في توليته البلد قصة طريفة : أخبرتنا شهدة بنت أحمد الكاتبة ، قالت: أخبرنا جعفر بن أحمد ، قال: أخبرنا أبو طاهر أحمد بن علي السواق ، قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن فارس قال: حدثنا عبد الله بن إبراهيم الزينبي ، قال: حدثنا محمد بن خلف ، قال: حدثنا أبو بكر العامري ، قال: حدثنا عبد الله بن عمر ، قال: حدثنا أبو عباد ، قال:

أدركت الخادم الذي كان يقوم على رأس الحجاج ، فقلت له: أخبرني بأعجب شيء رأيته من الحجاج ، قال : كان ابن أخيه أميرا على واسط ، وكانت بواسط امرأة يقال إنه لم يكن بواسط في ذلك الوقت أجمل منها ، فأرسل ابن أخيه إليها يريدها عن نفسها مع خادم له ، فأبت عليه وقالت: إن أردتني فاخطبني إلى إخوتي . قال: وكانت لها إخوة أربعة ، فأبى وقال: لا إلا كذا ، وعاودها فأبت عليه إلا أن يخطبها ، فأما حرام فلا ، وأبى هو إلا الحرام ، فأرسل إليها بهدية فأخذتها فعزلتها .

قال: فأرسل إليها عشية جمعة: إني آتيك الليلة ، فقالت لأمها: إن الأمير بعث إلي بكذا وكذا . قال: فأنكرت أمها ذلك ، وقالت أمها لإخوتها: إن أختكم قد زعمت [ ص: 201 ] كذا وكذا ، فأنكروا ذلك وكذبوها ، فقالت: إنه قد وعدني أن يأتيني الليلة وسترونه ، قال: فقعد إخوتها في بيت حيال البيت الذي هي فيه وفيه سراج وهم يرون من يدخل إليها وجويرية لها على باب الدار قاعدة ، حتى جاء فنزل عن دابته وقال لغلامه: إذا أذن المؤذن في الغلس فاتني بدابتي .

ودخل فمشت الجارية بين يديه وقالت له: ادخل وهي على سرير مستلقية ، فاستلقى إلى جانبها ثم وضع يده عليها وقال: إلى كم ذا المطل؟ فقالت له: كف يدك يا فاسق .

قال: ودخل إخوتها ومعهم سيوف ، فقطعوه ثم لفوه في نطع وجاءوا به إلى سكة من سكك واسط فألقوه فيها . وجاء الغلام بالدابة فجعل يدق الباب رفيقا ، فلم يكلمه أحد ، فلما غشي الصبح ، [وخشي] أن تعرف الدابة انصرف . وأصبحوا فإذا هم به ، فأتوا به الحجاج ، فأخذ أهل تلك السكة ، فقال: أخبروني ما هذا وما قصته؟ قالوا: لا نعلم حاله غير أنا وجدناه ملقى ، ففطن الحجاج ، فقال: علي بمن كان يخدمه فأتي بذلك الخصي الذي كان الرسول ، فقيل: هذا كان صاحب سره ، فقال له الحجاج: ما كان حاله ، وما [كانت] قصته؟ فأبى ، فقال: إن صدقتني لم أضرب عنقك ، وإن لم تصدقني فعلت بك وفعلت .

قال: فأخبره بالأمر على جهته ، فأمر بالمرأة وأمها وإخوتها ، فجيء بهم فعزلت المرأة عنهم فسألها فأخبرته بمثل ما أخبره الخصي ، ثم عزلها وسأل الإخوة فأخبروه بمثل ذلك وقالوا: نحن الذي صنعنا به الذي ترى ، قال: فعزلهم وأمر برقيقه ودوابه وماله للمرأة ، فقالت المرأة: عندي هديته ، فقال: بارك الله لك فيها وأكثر في النساء مثلك ، هي لك ، وكل ما ترك من شيء ، فهو لك ، وقال: مثل هذا لا يدفن ، فألقوه للكلاب .

ودعا بالخصي وقال: أما أنت فقد قلت لا أضرب عنقك ، فأمر بضرب وسطه .

التالي السابق


الخدمات العلمية